إلخ، أو كأنه قيل: كيف نثبتهم؟ فقيل: قولوا لهم قولي سَأُلْقِي إلخ، ولا يخفى أن هذا القول أضعف الأقوال معنى ولفظا. وأما القول بأن فَاضْرِبُوا إلخ خطاب منه تعالى للمؤمنين بالذات على طريق التلوين فمبناه توهم وروده قبل القتال، وأني ذلك؟ والسورة الكريمة إنما نزلت بعد تمام الواقعة، وبالجملة الآية ظاهرة فما يدعيه الجماعة من وقوع القتال من الملائكة فَوْقَ الْأَعْناقِ أي الرؤوس كما روي عن عطاء وعكرمة، وكونها فوق الأعناق ظاهر. وأما المذابح كما قال البعض فإنها في أعالي الأعناق وفَوْقَ باقية على ظرفيتها لأنها لا تتصرف، وقيل: إنها مفعول به وهي بمعنى الأعلى إذا كان بمعنى الرأس، وقيل: هي هنا بمعنى على والمفعول محذوف أي فاضربوهم على الأعناق، وقيل: زائدة أي فاضربوا الأعناق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.
قال ابن الأنباري: البنان أطراف الأصابع من اليدين والرجلين والواحدة بنانة وخصها بعضهم باليد.
وقال الراغب: هي الأصابع وسميت بذلك لأن بها إصلاح الأحوال التي بها يمكن للإنسان أن بين أي يقيم من أبن بالمكان وبن إذا أقام، ولذلك خص في قوله سبحانه وتعالى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة: ٤] وما نحن فيه لأجل أنهم يقاتلون ويدافعون، والظاهر أنها حقيقة في ذلك، وبعضهم يقول: إنها مجاز فيه من تسمية الكل باسم الجزء.
وقيل: المراد بها هنا مطلق الأطراف لوقوعها في مقابلة الأعناق والمقاتل. والمراد اضربوهم كيفما اتفق من المقاتل وغيرها وآثره في الكشاف. وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها الجسد كله في لغة هذيل، ويقال فيها بنام بالميم وتكرير الأمر بالضرب لمزيد التشديد والاعتناء بأمره ومِنْهُمْ متعلق به أو بمحذوف وقع حالا من كُلَّ بَنانٍ وضعف كونه حالاف من بنان بأن فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف لِكَ
إشارة إلى الضرب والأمر به أو إلى جميع ما مر. والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من ذكر قبل من الملائكة والمؤمنين على البدل أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب. وجوز أن يكون خطابا للجمع، والكاف تفرد مع تعدد من خوطب بها، وليست كالضمير على ما صرحوا به، ومحل الاسم الرفع على الابتداء وخبره قوله سبحانه وتعالى: أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وقال أبو البقاء: إن ذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وليس الأمر ذلك، والباء للسببية والمشاقة العداوة سميت بذلك أخذا من شق العصا وهي المخالفة أو لأن كلا من المتعاديين يكون في شق غير شق الآخر كما أن العداوة سميت عداوة لأن كلا منهما في عدوة أي جانب وكما أن المخاصمة من الخصم بمعنى الجانب أيضا، والمراد بها هنا المخالفة أي ذلك ثابت لهم أو واقع عليهم بسبب مخالفتهم لمن لا ينبغي لهم مخالفته بوجه من الوجوه مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أي يخالف أمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة وإظهار كمال شناعة ما اجترءوا عليه والاشعار بعلية الحكم، وبئس خطيب القوم أنت اقتضاه الجمع على وجه لا يبين منه الفرق ممن هو في ربقة التكليف وأين هذا من ذاك لو وقع ممن لا حجر عليه، وإنما لم يدغم المثلان لأن الثاني ساكن في الأصل والحركة لالتقاء الساكنين فلا يعتد به، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد عند من يلتزمه ولا يكتفي بالفاء في الربط أي شديد العقاب له، أو تعليق للجزاء المحذوف أي يعاقبه الله تعالى فإن الله شديد العقاب، وأيا ما كان فالشرطية بيان للسببية السابقة بطريق برهاني، كأنه قيل: ذلك العقاب الشديد بسبب المشاقة لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وكل من يشاقق الله ورسوله كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فاذن لهم بسبب مشاقة الله ورسوله عقاب شديد، وقيل: هو وعيد بما أعد لهم في الآخر بعد ما حلق بهم في الدنيا، قال بعض المحققين: ويرده قوله سبحانه وتعالى: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ


الصفحة التالية
Icon