نزول هذه الآية قبله والتخصيص المذكور مما لا يقوم دليله على سياق ويد الله مع الجماعة والله تعالى أعلم.
هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ إذ لم يرتفع عنهم إذ ذاك حجاب الأفعال قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي حكمها مختص بالله تعالى وبالرسول مظهرية فَاتَّقُوا اللَّهَ بالاجتناب عن رؤية الأفيال رؤية فعل الله تعالى وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ بمحو صفحات نفوسكم التي هي منشأ صدور ما يوجب التنازع والتخالف وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بفنائها ليتيسر لكم قبول الأمر بالإرادة القلبية الصادقة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الإيمان الحقيقي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ كذلك الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ بملاحظة عظمته تعالى وكبريائه وسائر صفاته وهو ذكر القلب وذكره سبحانه وتعالى بالأفعال ذكر النفس وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي خافت لإشراق أنوار تجليات تلك الصفات عليها وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيمانا بالترقي من مقام العلم إلى العين.
وقد جاء أن الله تجلى لعباده في كلامه لو يعلمون وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إذ لا يرون فعلا لغيره تعالى، وذكر بعض أهل العلم أنه سبحانه وتعالى نبه أولا بقوله عز قائلا: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ على بدء حال المريد لأن قلبه لم يقو على تحمل التجليات في المبدأ فيحصل له الوجل كضربة السعفة ويقشعر لذلك جلده وترتعد فرائصه، وأما المنتهي فقلما يعرض له ذلك لما أنه قد قوي قلبه على تحمل التجليات وألفها فلا يتزلزل لها ولا يتغير، وعلى هذا حمل السهروردي قدس سره ما روي عن الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلا يبكي عند قراءة القرآن فقال: هكذا حتى قست القلوب حيث أراد حتى قويت القلوب إذ أدمنت سماع القرآن وألفت أنواره فما تستغربه حتى تتغير، ونبه ثانيا سبحانه وتعالى بقوله جل وعلا: زادَتْهُمْ إِيماناً على أخذ المريد في السلوك والتجلي وعروجه في الأحوال، وثالثا بقوله عز شأنه: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ على صعوده في الدرجات والمقامات، وفي تقديم المعمول إيذان بالتبري عن الحول والقوة والتفويض الكامل وقطع النظر عما سواه تعالى، وفي صيغة المضارع تلويح إلى استيعاب مراتب التوكل كلها، وهو كما قال العارف أبو إسماعيل الأنصاري أن يفوض الأمر كله إلى مالكه ويعول على وكالته، وهو من أصعب المنازل، وهو دليل العبودية التي هي تاج الفخر عند الأحرار، والظاهر أن الخوف الذي هو خوف الجلال والعظمة يتصف به الكاملون أيضا ولا يزول عنهم أصلا وهذا بخلاف خوف العقاب فإنه يزول، وإلى ذلك الإشارة بما شاع
في الأثر «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه»
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي صلاة الحضور القلبي وهي المعراج المعنوي إلى مقام القرب وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من العلوم التي حصلت لهم بالسير يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم الذين ظهرت فيهم الصفات الحقة وغدوا مرايا لها ومن هنا قيل: المؤمن مرآة المؤمن لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ من مراتب الصفات وروضات جنات القلب وَمَغْفِرَةٌ لذنوب الأفعال وَرِزْقٌ كَرِيمٌ من ثمرات أشعار التجليات الصفاتية، وقال بعض العارفين: المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله تعالى والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته وهو قريب مما ذكرنا كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ متلبسا بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهم المحتجبون برؤية الأفعال لَكارِهُونَ أي حالهم في تلك الحال كحالهم في هذه الحال يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لك أولهم بالمعجزات إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ بالبراءة عن الحول والقوة والانسلاخ عن ملابس الأفعال والصفات النفسية فَاسْتَجابَ لَكُمْ عند ذلك أَنِّي مُمِدُّكُمْ من عالم الملكوت لمشابهة قلوبكم إياه حينئذ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ أي القوة السماوية وروحانياتها مُرْدِفِينَ لملائكة أخرى وهو إجمال ما في آل عمران وَما جَعَلَهُ اللَّهُ أي ما جعل الله تعالى الامداد إِلَّا بُشْرى أي بشارة لكم بالنصر وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ لما فيها من اتصالها


الصفحة التالية
Icon