بنياتهم وأحوالهم الداعية للإجابة أو لكل معلوم ويدخل فيه ما ذكر أيضا تعليل للحكم ذلِكُمْ إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقوله سبحانه وتعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ معطوف عليه أي المقصد إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم، وقيل: المشار إليه القتل أو الرمي والمبتدأ الأمر أي الأمر ذلكم أي القتل أو الرمي فيكون قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ إلخ من قبيل عطف البيان، وقيل: المشار إليه الجميع بتأويل ما ذكر. وجوز جعل اسم الإشارة مبتدأ محذوف الخبر وجعله منصوبا بفعل مقدر.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبوبكر «موهّن» بالتشديد ونصب كيد. وقرأ حفص عن عاصم بالتخفيف والإضافة وقرأ الباقون بالتخفيف والنصب إِنْ تَسْتَفْتِحُوا خطاب للمشركين على سبيل التهكم فقد روي أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين واهد الفئتين وأكرم الحزبين.
وفي رواية أن أبا جهل قال حين التقى الجمعان: اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم. والأول مروي عن الكلبي والسدي، والمعنى إن تستنصروا لأعلى الجندين وأهداهما فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ حيث نصر أعلاهما وأهداهما وقد زعمتم أنكم الأعلى والأهدى فالتهكم في المجيء أو فقد جاءكم الهلاك والذلة فالتهكم في نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله وَإِنْ تَنْتَهُوا عن حراب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاداته فَهُوَ أي الإنهاء خَيْرٌ لَكُمْ من الحراب الذي ذقتم بسببه من القتل والأسر، ومبنى اعتبار أصل الخيرية في المفضل عليه هو التهكم وَإِنْ تَعُودُوا أي إلى حرابه عليه الصلاة والسلام نَعُدْ لما شاهدتموه من الفتح وَلَنْ تُغْنِيَ أي لن تدفع عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ جماعتكم التي تجمعونها وتستغيثون بها شَيْئاً من الإغناء أو المضار وَلَوْ كَثُرَتْ تلك الفئة، وقرىء «ولن يغني» بالياء التحتانية لأن تأنيث الفئة غير حقيقي وللفصل ونصب شيئا على أنه مفعول مطلق أو مفعول به، وجملة ولو كثرت في موضع الحال وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أي ولأن الله تعالى معين المؤمنين كان ذلك أو والأمر أن الله سبحانه معهم، وقرأ الأكثر «وإن» بالكسر على الاستئناف، قيل: وهي أوجه من قراءة الفتح لأن الجملة حينئذ تذييل، كأنه قيل: القصد إعلاء أمر المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وكيت وكيت، وإن سنة الله تعالى جارية في نصر المؤمنين وخذلان الكافرين، وهذا وإن أمكن اجراؤه على قراءة الفتح لكن قراءة الكسر نص فيه، ويؤيدها قراءة ابن مسعود «والله مع المؤمنين»، وروي عن عطاء.
وأبي بن كعب، وإليه ذهب أبو علي الجبائي أن الخطاب للمؤمنين، والمعنى إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن التكاسل والرغبة عما يرغب فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهو خير لكم من كل شيء لما أنه مدار لسعادة الدارين وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار وتهييج العدو ولن تغني عنكم حينئذ كثرتكم إذ لم يكن الله تعالى معكم بالنصر والأمر أن الله سبحانه مع الكاملين في الإيمان، ويفهم كلام بعضهم أن الخطاب في تَسْتَفْتِحُوا وجاءَكُمُ للمؤمنين، وفيما بعده للمشركين ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدا، وأيد كون الخطاب في الجميع للمؤمنين بقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا أي تتولوا، وقرىء بتشديد التاء عَنْهُ أي عن الرسول وأعيد الضمير إليه عليه الصلاة والسلام لأن المقصود طاعته صلّى الله عليه وسلّم، وذكر طاعة الله تعالى توطئة لطاعته وهي مستلزمة لطاعة الله تعالى لأنه مبلغ عنه فكان الراجع إليه كالراجع إلى الله تعالى ورسوله (١) وقيل: الضمير للجهاد، وقيل: للأمر الذي دل عليه الطاعة، والتولي مجاز، وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ جمل حالية واردة لتأكيد وجوب الانتهاء عن التولي

(١) قوله «ورسوله» كذا بخطه والأولى إسقاطها اهـ.


الصفحة التالية
Icon