القياس الاستثنائي المستثنى فيه نقيض التالي لأنها لامتناع الشيء غيره، ولهذا لا يصرح باستثناء نقيص التالي، وعلى الجواب بأن فيه تسليم كون ما ذكر قياسا ومنع كونه منتجا لانتفاء شرائط الانتاج وكيف يصح اعتقاد وقوع قياس في كلام الحكيم تعالى أهملت فيه شرائط الانتاج وإن لم يكن مراده تعالى قياسيته وذكر أن الحق قوله سبحانه: لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً وارد على قاعدة اللغة يعني أن سبب عدم الإسماع عدم العلم بالخير فيهم ثم ابتداء قوله تعالى:
لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا كلاما آخر على طريقة- لو لم يخف الله تعالى لم يعصه- وحاصل ذلك أنه كلام منقطع عما قبله والمقصود منه تقرير قولهم في جميع الأزمنة حيث ادعى لزومه لما هو مناف له ليفيد ثبوته على تقدير الشرط وعدمه، فمعنى الآية حينئذ أنه انتفى الإسماع لانتفاء علم الخير وأنهم ثابتون على التولي في الشرطية الأولى اللزوم في نفس الأمر وفي الثانية ادعائي فلا يكون على هيئة القياس.
وقال العلامة الثاني: يجوز أن يكون التولي منفيا بسبب انتفاء الإسماع كما هو مقتضى أصل لَوْ لأن التولي بمعنى الاعراض عن الشيء كما هو أصل معناه لا بمعنى مطلق التكذيب والإنكار، فعلى تقدير عدم إسماعهم ذلك الشيء لم يتحقق التولي والاعراض عن الشيء فرع تحققه ولم يلزم من هذا تحقق الانقياد له لأن الانقياد للشيء وعدم الانقياد له ليسا على طرفي النقيض بل العدول والتحصيل لجواز ارتفاعهما بعدم ذلك الشيء وحاصله كما قيل: إنه إذا كان التولي بمعنى الاعراض يجوز أن يكون لَوْ بمعناه المشهور، ويكون المقصود الاخبار بأن انتفاء الثاني في الخارج لانتفاء الأول فيه كالشرطية الأولى ولا ينتظم منهما القياس إذ ليس المقصود منهما بيان استلزام الأول للثاني في نفس الأمر ليستدل بل اعتبار السببية واللزوم بينهما ليعلم السببية بين الانتفائين المعلومين في الخارج، وما يقال:
من أن انتفاء التولي خير وقد ذكر أن لا خير فيهم مجاب عنه بأن لا نسلم أن انتفاء التولي بسبب انتفاء الاسماع خير لأنه يجوز أن يكون ذلك بسبب عدم الأهلية للاسماع وهو داء عضال وشر عظيم، وإنما يكون خيرا لو كانوا من أهله بأن أسمعوا شيئا ثم انقادوا له ولم يعرضوا وهذا كما يقال: لا خير في فلان لو كانت به قوة لقتل المسلمين، فإن عدم قتل المسلمين بناء على عدم القوة والقدرة ليس خيرا فيه وإن كان خيرا له اهـ. ورده الشريف قدس سره بما تعقبه السالكوتي عليه الرحمة. نعم قال مولانا محمد أمين بن صدر الدين: إن حمل التولي هاهنا على معنى الاعراض غير ممكن لمكان قوله سبحانه: وَهُمْ مُعْرِضُونَ وأوجب أن يحمل إما على لازم معناه وهو عدم الانتقاء لأنه يلزم الاعراض أو على ملزومه وهو الارتداد لأنه يلزمه الاعراض فليفهم، وعن الجبائي أنهم كانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك ونؤمن بك، فالمعنى ولو أسمعهم كلام قصي إلخ، وقيل: هم بنو عبد الدار بن قصي لم يسلم منهم إلا مصعب بن عمير وسويد بن حرملة كانوا يقولون: نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد لا نسمعه ولا نجيبه قاتلهم الله تعالى فقتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللواء، وعن ابن جريج أنهم المنافقون وعن الحسن أنهم أهل الكتاب، والجملة الاسمية في موضع الحال من ضمير لَتَوَلَّوْا، وجوز أن تكون اعتراضا تذييلا أي وهم قوم عادتهم الاعراض يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تكرير النداء مع وصفهم بنعت الإيمان لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يريد بعده من الأوامر وتنبيههم على أن فيهم ما يوجب ذلك اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بحسن الطاعة إِذا دَعاكُمْ أي الرسول إذ هو المباشر لدعوة الله تعالى مع ما أشرنا إليه آنفا لِما يُحْيِيكُمْ أي لما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد الذي أعزكم الله تعالى به بعد الذل وقواكم به بعد الضعف ومنعكم به من عدوكم بعد القهر كما روي ذلك عن عروة بن الزبير، وإطلاق ما ذكر على العقائد والأعمال وكذا على الجهاد إما استعارة أو مجاز مرسل بإطلاق السبب على المسبب، وقال القتبي: المراد به


الصفحة التالية
Icon