فالعطف على اسم أن وهو الظاهر، وجوز أن تكون الواو بمعنى مع ونصب رَسُولِهِ على أنه مفعول معه أي بريء معه منهم.
وعن الحسن أنه قرأ بالجر على أن الواو للقسم وهو كالقسم بعمره صلّى الله عليه وسلّم في قوله سبحانه: لَعَمْرُكَ [الحجر:
٧٢] وقيل: يجوز كون الجر على الجوار وليس بشيء، وهذه القراءة لعمري موهمة جدا وهي في غاية الشذوذ والظاهر أنها لم تصح. يحكى أن أعرابيا سمع رجلا يقرؤها فقال: إن كان الله تعالى بريئا من رسوله فأنا منه بريء فلببه الرجل إلى عمر رضي الله تعالى عنه فحكى الاعرابي قراءته فعندها أمر عمر بتعليم العربية. ونقل أن أبا الأسود الدؤلي سمع ذلك فرفع الأمر إلى علي كرم الله تعالى وجهه فكان ذلك سبب وضع النحو، والله تعالى أعلم.
وفرق الزمخشري بين معنى الجملة الأولى وهذه الجملة بأن تلك إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الاعلام بما ثبت. وفي الكشف أن هذا على تقدير رفعهما بالخبرية ظاهر الا أن في قوله إخبار بوجوب الاعلام تجوزا وأراد أن يبين أن المقصود ليس الاخبار بالاعلام بل أعلم سبحانه أنه بريء ليعلموا الناس به، وعلى التقدير الثاني وجهه أن المعنى في الجملة الأولى البراءة الكائنة من الله تعالى حاصلة منتهية إلى المعاهدين من المشركين فهو إخبار بثبوت البراءة كما تقول في زيد موجود مثلا: إنه إخبار بثبوت زيد، وفي الثانية إعلام المخاطبين الكائن من الله تعالى بتلك البراءة ثابت واصل إلى الناس فهو إخبار بثبوت الاعلام الخاص صريحا ووجوب أن يعلم المخاطبون الناس ضمنا، ولما كان المقصود هو المعنى المضمن ذكر أنها إخبار بوجوب الاعلام، وزعم بعضهم لدفع التكرار أن البراءة الأولى لنقض العهد والبراءة الثانية لقطع الموالاة والإحسان وليس بذلك فَإِنْ تُبْتُمْ من الكفر والغدر بنقض العهد فَهُوَ أي التوب خَيْرٌ لَكُمْ في الدارين والالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة التهديد والتشديد، والفاء الأولى لترتيب مقدم الشرطية على الاذان المذيل بالوعيد الشديد المؤذن بلين عريكتهم ونكسار شدة شكيمتهم وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة أو ثبتم على التولي عن الإسلام والوفاء فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ غير سابقيه سبحانه ولا فائتيه وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي في الآخرة على ما هو الظاهر.
ومن هنا قيد بعضهم غير معجزي الله بقوله في الدنيا، والتعبير بالبشارة للتهكم، وصرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيل: لأن البشارة إنما تليق بمن يقف على الأسرار الالهية، وقد يقال: لا يبعد كون الخطاب لكل من له حظ فيه وفيه من المبالغة ما لا يخفى إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استثناء على ما في الكشاف من المقدر في قوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ إلخ لأن الكلام خطاب مع المسلمين على أن المعنى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم سيحوا إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم، وهو بمعنى الاستدراك كأنه قيل: فلا تمهلوا الناكثين غير أربعة أشهر ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجرى الناكثين، واعترض بأنه كيف يصح الاستثناء وقد تخلل بين المستثنى والمستثنى منه جملة أجنبية أعني قوله سبحانه:
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ فإنه كما قرر عطف على براءة، وأجيب بأن تلك الجملة ليست أجنبية من كل وجه لأنها في معنى الأمر بالاعلام كأنه قيل: فقولوا لهم سيحوا واعلموا أن الله تعالى بريء منهم لكن الذين عاهدتهم إلخ، وجعله بعضهم استدراكا من النبذ السابق الذي أخر فيه القتال أربعة أشهر والمآل واحد، وقيل استثناء من المشركين الأول وإليه ذهب الفراء، ورد بأن بقاء التعميم في قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ينافيه، وقيل: هو استثناء من المشركين الثاني. ورد بأن بقاء التعميم في الأول ينافيه، والقول بالرجوع إليهما والمستثنى منهما في الجملتين ليستا على نسق واحد لا يحسن، وجعل الثاني معهودا وهم المشركون المستثنى منهم هؤلاء فقيل مجيء الاستثناء يبعد ارتكابه في


الصفحة التالية
Icon