وهذه على ما قال الجلال السيوطي هي آية السيف التي نسخت آيات العفو والصفح، والإعراض والمسألة.
وقال العلامة ابن حجر: آية السيف وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ٣٦] وقيل هما، واستدل الجمهور بعمومها على قتال الترك والحبشة كأنه قيل: فاقتلوا الكفار مطلقا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ من حل وحرم وَخُذُوهُمْ قيل: أي ائتسروهم والأخيذ الأسير، وفسر الأسر بالربط لا لاسترقاق، فإن مشركي العرب لا يسترقون. وقيل: المراد إمهالهم للتخيير بين القتل والإسلام. وقيل: هو عبارة عن أذيتهم بكل طريق ممكن، وقد شاع في العرف الأخذ على الاستيلاء على مال العدو، فيقال: إن بني فلان أخذوا بني فلان أي استولوا على أموالهم بعد أن غلبوهم وَاحْصُرُوهُمْ قيل أي احبسوهم.
ونقل الخازن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد امنعوهم عن الخروج إذا تحصنوا منكم بحصن.
ونقل غيره عنه أن المعنى حيلوا بينهم وبين المسجد الحرام وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أي كل ممر ومجتاز يجتازون منه في أسفارهم، وانتصابه عند الزجاج ومن تبعه على الظرفية. ورده أبو علي بأن المرصد المكان الذي يرصد فيه العدو فهو مكان مخصوص لا يجوز حذف- في- منه ونصبه على الظرفية إلا سماعا. وتعقبه أبو حيان بأنه لا مانع من انتصابه على الظرفية لأن قوله تعالى: وَاقْعُدُوا لَهُمْ ليس معناه حقيقة القعود بل المراد ترقبهم وترصدهم، فالمعنى ارصدوهم كل مرصد يرصد فيه، والظرف مطلقا ينصبه بإسقاط- في- فعل من لفظه أو معناه نحو جلست وقعدت مجلس الأمير، والمقصور على السماع ما لم يكن كذلك، وكُلَّ وإن لم يكن ظرفا لكن له حكم ما يضاف إليه لأنه عبارة عنه.
وجوز ابن المنير أن يكون مرصدا مصدرا ميميا فهو مفعول مطلق والعامل فيه الفعل الذي بمعناه، كأنه قيل:
وارصدوهم كل مرصد ولا يخفى بعده. وعن الأخفش أنه منصوب بنزع الخافض والأصل على كل مرصد فلما حذف على انتصب، وأنت تعلم أن النصب بنزع الخافض غير مقيس خصوصا إذا كان الخافض علي فإنه يقل حذفها حتى قيل: إنه مخصوص بالشعر فَإِنْ تابُوا عن الشرك بالإيمان بسبب ما ينالهم منكم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ تصديقا لتوبتهم وإيمانهم، واكتفى بذكرهما لكونهما رئيسي العبادات البدنية والمالية فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ أي فاتركوهم وشأنهم ولا تتعرضوا لهم بشيء مما ذكر.
وقيل: المراد خلوا بينهم وبين البيت ولا تمنعوهم عنه والأول أولى، وقد جاءت تخلية السبيل في كلام العرب كناية عن الترك كما في قوله:
خل السبيل لمن يبنى المنار به | وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر |
الأول أن هذا وارد أيضا على القول بالتعزير والضرب والحبس كما هو مذهب الحنفية فالجواب- الجواب-