والمراد هب لنا صبرا تاما كثيرا، وعلى الثاني يكون صَبْراً استعارة أصلية مكنية وأَفْرِغْ تخييلية، وقيل:
الكلام على الأول كالكلام على الثاني إلا أن الجامع هناك الغمر وهاهنا التطهير، وليس بذاك وإن جل قائله وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ أي ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين من الوعيد. عن ابن عباس والكلبي والسدي أنه فعل بهم ما أوعدهم به، وقيل: لم يقدر عليه لقوله تعالى: فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ [القصص: ٣٥].
وأجاب الأولون عن ذلك بأن المراد الغلبة بالحجة أو في عاقبة الأمر ونهايته وهذا لا ينافي قتل البعض وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ مخاطبين له بعد ما شاهدوا من أمر موسى عليه السلام ما شاهدوا أَتَذَرُ مُوسى أي أتتركه وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي في أرض مصر.
والمراد بالإفساد ما يشمل الديني والدنيوي، ومفعول الفعل محذوف للتعميم أو أنه منزل منزلة اللازم أو يقدر يفسدوا الناس بدعوتهم إلى دينهم والخروج عليك. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة أتبع موسى عليه السلام ستمائة ألف من بني إسرائيل وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا المنصوب بأن، أو منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب بعد الفاء، وعلى ذلك قول الحطيئة:
ألم أك جاركم ويكون بيني | وبينكم المودة والإخاء |
وأخرج غير واحد عن ابن عباس أنه كان ينكر قراءة الجمع بالجمع ويقرأ بالمصدر ويقول: إن فرعون كان يعبد ولا يعبد، ألا ترى قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: ٣٨] ومن هنا قال بعضهم: الأقرب أنه كان دهريا منكرا للصانع، وقيل: الإلهة اسم للشمس وكان يعبدها وأنشد أبو علي:
وأعجلنا الإلهة أن تؤبا قالَ مجيبا لهم سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ كما كنا نفعل بهم ذلك من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده. وقرأ ابن