سكينة صاحبه عليه. انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا أي انفروا إلى طاعة مولاكم خفافا بالأرواح ثقالا بالقلوب، أو خفافا بالقلوب وثقالا بالأجسام بأن يطيعوه بالأعمال القلبية والقالبية، أو خفافا بأنوار المودة وثقالا بأمانات المعرفة، أو خفافا بالبسط وثقالا بالقبض، وقيل: خفافا بالطاعة وثقالا عن المخالفة. وقيل غير ذلك وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ بأن تنفقوها للفقراء وَأَنْفُسِكُمْ بأن تجودوا بها لله تعالى ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ في الدارين إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذلك والله تعالى الموفق للرشاد. لَوْ كانَ أي ما دعوا إليه كما يدل عليه ما تقدم عَرَضاً قَرِيباً أي غنما سهل المأخذ قريب المنال، وأصل العرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومتاعها.
وفي الحديث «الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر»
وَسَفَراً قاصِداً أي متوسطا بين القرب والبعد وهو من باب تامر ولابن لَاتَّبَعُوكَ أي لوافقوك في النفير طمعا في الفوز بالغنيمة، وهذا شروع في تعديد ما صدر عنهم من الهنات قولا وفعلا وبيان قصور همهم وما هم عليه من غير ذلك، وقيل: هو تقرير لكونهم متثاقلين مائلين إلى الإقامة بأرضهم، وتعليق الاتباع بكلا الأمرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أي المسافة التي تقطع بمشقة. وقرأ عيسى بن عمر «بعدت» بكسر العين «والشّقة» بكسر الشين، وبعد يبعد كعلم يعلم لغة واختص ببعد الموت غالبا، وجاء لا تبعد للتفجع والتحسر في المصائب كما قال:
لا يبعد الله إخوانا لنا ذهبوا | أفناهم حدثان الدهر والأبد |
واعترض القول الأخير بأنه لم يذهب إليه أحد من أهل العربية. وأجيب بأن مراد القائل أنه لما حذف جواب لَوْ دل عليه جواب القسم جعل كأنه ساد مسد الجوابين. وقرأ الحسن والأعمش «لو استطعنا» بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع كما في قوله تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ [البقرة: ٩٤، الجمعة: ٦] واشْتَرَوُا الضَّلالَةَ [البقرة:
١٦، ١٧٥] وقرىء بالفتح أيضا يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بايقاعها في العذاب، قيل: وهو بدل من سَيَحْلِفُونَ واعترض بأن الهلاك ليس مرادفا للحلف ولا هو نوع منه، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفا له أو نوعا منه. وأجيب بأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك
قال صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع»
وحاصله أنهما ترادفان ادعاء فيكون بدل كل من كل، وقيل إنه بدل اشتمال إذ الحلف سبب للاهلاك والمسبب يبدل من السبب لاشتماله عليه، وجوز أن يكون حالا من فاعله أي سيحلفون مهلكين أنفسهم، وأن يكون حالا من فاعل لَخَرَجْنا جيء به على طريقة الاخبار عنهم كأنه قيل: نهلك أنفسنا أي لخرجنا مهلكين أنفسنا كما في قولك: حلف ليفعلن مكان لأفعلن ولكن فيه بعد. وجوز أبو البقاء الاستئناف وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا.