وتماديهم في الغي، والمراد بالحسنة كما يفهمه ظاهر كلام البعض الخصب والرخاء، وفسرها مجاهد بالرخاء والعافية وبعضهم بأعم من ذلك أي إذا جاءهم ما يستحسنونه قالُوا لَنا هذِهِ أي إنا مستحقوها بيمن الذات وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي ضيقة وجدب أو جدب ومرض أو عقوبة وبلاء يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أي يتشاءموا بهم ويقولوا: ما أصابنا ذلك إلا بشؤمهم، وأصل إطلاق التطير على التشاؤم على ما قال الأزهري إن العرب كانت تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وتتيمن بالسانح. وفي المثل من لي بالسانح بعد البارح، قال أبو عبيدة: سأل يونس رؤبة وأنا شاهد عن السانح والبارح فقال: السانح ما ولاك ميامنه والبارح ما ولاك مياسره، وقيل: البارح ما يأتي من جهة الشمال والسانح ما يأتي من جهة اليمين وانشدوا:
زجرت لها طير الشمال فإن يكن | هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها |
والزمخشري بين الحسنة بالخصب والرخاء ثم قال في تعليل ما ذكر: لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه وأما السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها. وقال صاحب الكشف: ذلك إشارة إلى أن التعريف للعهد الخارجي التقريري بدليل أنه ذكر في مقابلة قوله سبحانه: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وقوله:
لأن الجنس إلخ أي جنس الخصب والرخاء وفيه مبالغة أي أنه لكثرة الوقوع كأن الجنس كله واجب الوقوع، ولهذا لا يزال يتكاثر حتى يستغرق الجنس. وقوله: وأما السيئة إلخ في مقابلة ذلك دليل بين على إرادة هذا المعنى فلا تخالف بين كلاميه ولم يرد بالجنس العهد الذهني وهذا مراد صاحب المفتاح وبه يندفع ما توهمه صاحب الإيضاح انتهى.
وفيه تعريض بشيخه الطيبي حيث حمل الجنس على العهد الذهني وقال ما قال والبحث طويل الذيل فليطلب من شروح المفتاح وشرح التلخيص للعلامة الثاني وحواشيه، وقوله سبحانه وتعالى: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ استئناف مسوق من قبله تعالى لرد مقالتهم الباطلة وتحقيق للحق في ذلك وتصديره بكلمة التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمونه أي ليس شؤمهم إلا عند الله أي من قبله وحكمه كما قال ابن عباس، وقال الزجاج: المعنى ليس الشؤم الذي يلحقهم إلا الذي وعدوا به من العقاب عنده لا ما ينالهم في الدنيا، وقال الحسن: المعنى الا أن ما تشاءموا محفوظ عليهم حتى يجازيهم الله تعالى به يوم القيامة، وفسر بعضهم الطائر هنا بالحظ أي إنما حظهم وما طار إليهم من القضاء والقدر بسبب شؤمهم عند الله، وقرأ الحسن «إنما طيرهم» وهو اسم جمع طائر على الصحيح لأنه على أوزان المفردات، وقال الأخفش هو جمع له، وروي عن قطرب أن الطير يكون واحدا وجمعا وكذا الطائر، وأنشد ابن الأعرابي:
كأنه تهتان يوم ماطر | على رؤوس كرؤوس الطائر |