ونازع السهيلي وجماعة في المحكي عن الحبر وغيره متمسكين بأن الاستفهام التقريري موجب ولذلك امتنع سيبويه من جعل أَمْ متصلة على ما قيل في قوله تعالى: أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ [الزخرف: ٥١، ٥٢] فإنها لا تقع بعد الإيجاب وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الإيجاب تصديق له، قال ابن هشام: ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها الإيجاب وذلك متفق عليه وبَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي [الزمر: ٥٩] متقدم فيه ما يدل على النفي لكن وقع في الحديث ما يقتضي أنها يجاب بها الاستفهام المجرد
ففي صحيح البخاري أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى»
وفي صحيح مسلم أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنت الذي لقيتني بمكة فقال له المجيب: بلى»
وليس لهؤلاء أن يحتجوا بذلك لأنه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل انتهى. وأجاب البدر الدماميني بأنه لا إشكال في الحقيقة فإن هؤلاء راعوا صورة النفي المنطوق به فيجاب ببلى حيث يراد إبطال النفي الواقع بعد الهمزة وجوزوا الجواب بنعم على أنه تصديق لمضمون الكلام جميعه الهمزة ومدخولها وهو إيجاب كما سلف ودعواه الاتفاق مناقش فيها أما إن أراد الإيجاب المجرد من النفي بالمرة فقد حكى الرضى الخلاف فيه، وذكر أن بعضهم أجاز استعمالها بعده تمسكا بقوله:
وقد بعدت بالوصل بيني وبينها | بل ان من زار القبور ليبعدا |
أليس الليل يجمع أم عمرو | وإيانا فذاك بنا تداني |
نعم وأرى الهلال كما تراه | ويعلوها النهار كما علاني |
والأحسن أن تكون نعم في البيت جوابا لقوله: فذاك بنا تدانى، ثم قال ابن هشام: ويتحرر على هذا أنه لو أجيب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ بنعم لم يكف في الإقرار لأنه سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلق بالربوبية ما لا يحتمل غير المعنى المراد من المقر، ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله لا إله إلا الله برفع إله لاحتماله لنفي الوحدة، ولعل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما قال: إنهم لو قالوا: نعم لم يكن إقرارا وافيا، وجوز الشلوبين أن يكون مراده رضي الله تعالى عنه أنهم لو قالوا نعم جوابا للملفوظ على ما هو الأفصح لكان كفرا إذ الأصل تطابق السؤال والجواب لفظا، وفيه نظر لأن التكفير لا يكون بالاحتمال، والكلام عند جمع تمثيل لخلقه تعالى الخلق جميعا في مبدأ الفطرة مستعدين للاستدلال بالأدلة الآفاقية والأنفسية المؤدية إلى التوحيد كما نطق به
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة»