وهو محال، لأنا نقول لما كان الواجب (١) تعالى موجبا فيعلمه وسائر صفاته الذاتية كان وجود تلك الصور الإدراكية التي هي تلك الأشباح مقتضى ذاته تعالى فلا بأس في كونها سابقة على العلم بالذات وإنما المسبوق بالعلم هو أفعاله الاختيارية، ثم ينبغي أن يعلم أنه ليس معنى قولهم: إن علم الواجب تبارك وتعالى بالأشياء أزلي وتعلقه بها حادث أنه ليس هناك إلا تعلق حادث لأنه يلزم حدوث نفس العلم فيعود ما ارتكبه الشرذمة للقطع بأنه لا يصير المعلوم معلوما قبل تعلق العلم به وهو من الفساد بمكان، بل معناه أن التعلق الذي لا تقتضيه حقيقة العلم حادث وهناك تعلق تقتضيه تلك الحقيقة وهو قديم، وذلك لأن الأشباح والأمثال معلومة بالذات وبواسطتها تعلم الأشياء، فتعلق العلم عندهم أعم من تعلقه بذات الشيء المعلوم أو بمثاله وشبحه، ولما لم يمكن وجود الحوادث في الأزل كان العلم الممكن بالنسبة إليها بالتعلق بأمثالها وأشباحها وبعد حدوثها يتجدد التعلق بأن يكون بذات تلك الحوادث. وبالجملة تعلق العلم بأمثال الحوادث وأشباحها أزلي وبأنفسها وذواتها حادث ولا إشكال فيه أصلا، وبهذا التحقيق يندفع شبهات كثيرة كما قيل، لكن أورد عليه أن برهان التطبيق جار في هاتيك الأشباح لما أنها متميزة الآحاد في نفس الأمر فيلزم أحد المحذورين.
وفي المقام أبحاث طويلة الذيل وقد بسط الكلام في ذلك مولانا إسماعيل أفندي الكلنبوي في حواشيه على شرح العضدية، وللمولى الشيخ إبراهيم الكوراني تحقيق على طرز آخر ذكره في كتابه مطلع الجود فارجع إليه.
وبالجملة لا تخفى صعوبة هذه المسألة وهي مما زلت فيها أقدام أقوام، ولعل الله سبحانه يرزقك تحقيقها بمنه سبحانه، وقد قال به أفضل المتأخرين مولانا إسماعيل أفندي الكنبوي (٢).

(١) قوله «لما كان الواجب» إلخ كذا بخطه وتأمله
(٢) تم الجزء الحادي عشر بحول الله وقوته ويليه الجزء الثاني عشر واوله وَما مِنْ دَابَّةٍ.


الصفحة التالية
Icon