المفرد الذي هو مقتضاه وتعلق بالجملة، ولا معنى للتعليق إلا إبطال العمل لفظا لا محلا وإن تعدى لاثنين، فإما أن يجوز وقوع الثاني جملة كما في باب علم أولا، فإن جاز علق عن المفعولين نحو علمت لزيد قائم لا عن الثاني لأنه يكون جملة بدون تعليق فلا وجه لعده منه إذ لا فرق بين أداة التعليق وعدمها فالتعليق لا يبطل عمل الفعل أصلا كما في علمت زيدا أبوه قائم، وعلمت زيدا لا أبوه قائم، فإن عمله في محل الجملة لا فرق فيه بين وجود حرف التعليق وعدمه وإن لم يجز، وورد فيه كلمة تعليق كان منه نحو يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ [البقرة: ٢١٥] فإن المسئول عنه لا يكون إلا مفردا.
والفعل فيما نحن فيه يحتمل أن يكون عاملا فيما بعده وهو المختبر به غير متضمن علما، وفعل البلوى إذا كان كذلك يتعدى بالباء إلى المختبر به ولا يكون إلا مفردا كما في قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ [البقرة: ١٥٥] والاستفهام قد أبطل مقتضاه لفظا وهو التعليق، ويحتمل أن يكون متضمنا معنى العلم ويكون العلم عاملا فيه وهو مفعوله الثاني، وحينئذ لا تعليق، ومن هنا يظهر أن تعليق الفعل في الآية إنما هو على تقدير إعمال فعل البلوى، وعدم تعليقه على تقدير إعمال العلم فلا منافاة بين الكلامين انتهى وهو تفصيل حسن، وفي الهمع أن الجملة بعد المعلق في باب علم وأخواتها في موضع المفعولين فإن كان التعليق بعد استيفاء المفعول الأول فهي في موضع المفعول الثاني، وأما في غير هذا الباب فإن كان الفعل مما يتعدى بحرف الجر فالجملة في موضع نصب بإسقاطه نحو فكرت أهذا صحيح أم لا، وجعل ابن مالك منه فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً [الكهف: ١٩] وإن كان مما يتعدى لواحد فهي في موضعه نحو عرفت أيهم زيد، فإن كان مفعوله مذكورا نحو عرفت زيدا أبو من هو، فالجملة بدل منه على ما اختاره السيرافي وابن مالك، وهو بدل كل من كل بتقدير مضاف أي قصة زيد أو أمره عند ابن عصفور، والتزم ذلك ليكون المبدل منه جملة في المعنى، وبدل اشتمال ولا حاجة إلى التقدير عند ابن الصائغ، وذهب المبرد والأعلم وابن خروف وغيرهم إلى أن الجملة في موضع نصب على الحال، وذهب الفارسي إلى أنها في موضع المفعول الثاني لعرفت على تضمينه معنى علمت، واختاره أبو حيان وفيه نوع مخالفة في الظاهر لما تقدم تظهر بالتأمل إلا أنه اعترض القول بأن ما بعد فعل البلوى مختبر به بأن المختبر به إنما هو خلق السماوات والأرض، وأجيب بأن ذلك وإن كان في نفس الأمن مختبرا عنه والمختبر به ما ذكر إلا أنه جعل مختبرا به باعتبار ترتبه على ذلك، ولا يخفى ما فيه، وقال بعض أرباب التحقيق في دفع المخالفة: إن الزمخشري جعل قوله سبحانه هنا: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا بجملته استعارة تمثيلية فتكون مفرداته مستعملة في معناها الحقيقي معطاة ما تستحقه، وفعل البلوى يعلق عن المفعول الثاني لأنه لا يكون جملة إذ هو يتعدى له بالباء وحرف الجر لا يدخل على الجمل، وجرى التعليق فيه بناء على أنه مناسب لفعل القلوب معنى، وقد صرح غير واحد بجريانه في ذلك وجعله ثمة مستعارا لمعنى العلم، والفعل إذ تجوز به عن معنى فعل آخر عمل عمله وجرى عليه حكمه، وعلم لا يعلق عن المفعول الثاني فكذا ما هو بمعناه فيكون قد سلك في كل من الموضعين مسلكا تفننا، وكثيرا ما يفعل ذلك في كتابه، ولعله لم يعكس الأمر لأن ما فعله في كل أنسب بما قبله من خلق السماوات والأرض وما فيها من النعم والمنافع وخلق الموت والحياة، ولا يخفى أن هذا قريب مما تقدم وفيه ما فيه.
والإتيان بصيغة التفضيل الدالة على الاختصاص بالمختبرين الأحسنين أعمالا مع شمول الاختبار لفرق المكلفين وتتفاوت أعمال الكفار منهم إلى حسن شرعي وقبيح لا إلى حسن وأحسن كما في أعمال المؤمنين للتحريض على أحاسن المحاسن، والتحضيض على الترقي دائما لدلالته على أن الأصل المقصود بالاختبار ذلك الفريق ليجازيهم


الصفحة التالية
Icon