الحلمية مما تتعدى الى مفعولين كالعلمية ليلتزم كون المفعول الثاني للفعل الأول محذوفا، ويرى أنها تتعدى لواحد كالبصرية فلا حذف، وساجِدِينَ حال عنده كما يشير إليه كلامه، والمشهور عند الجمهور أنها تتعدى الى مفعولين ولا يحذف ثانيهما اقتصارا.
وجوز أن يكون مذهبه القول بالتعدي الى ما ذكر إلا أنه يقول بجواز ما منعوه من الحذف، وأنت تعلم أن ما استظهره في البحر سالم عن المخالفة والنظرية أمر معهود في الكتاب الجليل (١) وإنما أجريت هذه المتعاطفات مجرى العقلاء في الضمير جمع الصفة لوصفها بوصف العقلاء أعني السجود سواء كان المراد منه التواضع أو السجود الحقيقي وإعطاء الشيء الملابس لآخر من بعض الوجوه حكما من أحكامه إظهارا لأثر الملابسة والمقاربة شائع في الكلام القديم والحديث، وفي الكلام على ما قيل: استعارة مكنية بتشبيه المذكورات بقوم عقلاء ساجدين والضمير والسجود قرينة أو أحدهما قرينة تخييلية والآخر ترشيح.
وذهب جماعة من الفلاسفة الى أن الكواكب أحياء ناطقة، واستدل لهم بهذه الآية ونظائرها وكثير من ظواهر الكتاب والسنة يشهد لهم، وليس في القول بذلك إنكار ما هو من ضروريات الدين، وتقديم الجار والمجرور لإظهار العناية والاهتمام مع ما في ضمنه عل ما قيل: من رعاية الفواصل، وكانت هذه الرؤية فيما قيل: ليلة الجمعة، وأخرج أبو الشيخ عن ابن منبه أنها كانت ليلة القدر، ولعله لا منافاة لظهور إمكان كون ليلة واحدة ليلة القدر وليلة الجمعة، واستشكل كونها في ليلة القدر بأنها من خواص هذه الأمة، وأجيب بأن ما هو من الخواص تضعيف ثواب العمل فيها الى ما قص الله سبحانه وكان عمره عليه السلام حين رأى ذلك اثنتي عشرة سنة فيما يروى عن وهب.
وقيل: سبع عشرة سنة، وكان قد رأى قبل وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه فقال: إياك أن تذكر هذا لأخوتك، وتعبير هذه العصي لإحدى عشرة هو بعينه تعبيرا لأحد عشر كوكبا فإن كلا منهما إشارة الى إخوته، وليس في الرؤيا الأولى ما يشير الى ما يشير إليه الشمس والقمر في الرؤية الثانية، ولا ضرورة الى التزام القول باتحاد المنامين بأن يقال: إنه عليه السلام رأى في كل أحد عشر شيئا إلا أن ذلك في الأول عصي وفي الثاني كواكب، ويكون عطف الشمس والقمر على ما قبله من قبيل عطف ميكائيل وجبريل عليهما السلام على الملائكة كما يوهمه كلام بعضهم، وعبرت الشمس بأبيه والقمر بأمه اعتبارا للمكان والمكانة.
وروى ذلك عن قتادة وعن السدي أن القمر خالته لأن أمه راحيل قد ماتت، والقول: بأن الله تعالى أحياها بعد لتصديق رؤياه لا يخفى حاله، وعن ابن جريج أن الشمس أمّه والقمر أبوه وهو اعتبار للتأنيث والتذكير، وقد تعبر الشمس بالملك وبالذهب وبالزوجة الجميلة والقمر بالأمير والكواكب بالرؤساء وكذا بالعلماء أيضا.
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن رؤية القمر تؤوّل على أحد سبعة عشر وجها، ملك أو وزير أو نديم الملك أو رئيس أو شريف أو جارية أو غلام أو أمر باطل أو وال أو عالم مفسد أو رجل معظم أو والد أو والدة أو زوجة أو بعل لها أو ولد أو عظمة
ولعل ذلك مبني على اختلاف الرائي وكيفية الرؤية، وزعم بعضهم أنه عليه السلام لم يكن رأي الكواكب ولا الشمس والقمر وإنما رأى إخوته وأبويه إلا أنه عبر عنهم بذلك على طريقة الاستعارة التصريحة وهو

(١) وزعم بعضهم أن أحد الفعلين من الرؤية والآخر من الرؤيا وهو كما ترى اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon