وقد صرح غير واحد أن المحبة ليست مما تدخل تحت وسع البشر والمرء معذور فيما لم يدخل تحته، نعم ظن أبناؤه أن ما كان منه عليه السلام إنما كان عن اجتهاد وأنه قد أخطأ في ذلك والمجتهد يخطىء ويصيب وإن كان نبيا، وبهذا ينحل ما قيل: إنهم إن كانوا قد آمنوا بكون أبيهم رسولا حقا من عند الله تعالى فكيف اعترضوا وكيف زيفوا طريقته وطعنوا فيما هو عليه، وإن كانوا مكذبين بذلك فهو يوجب كفرهم والعياذ بالله تعالى وهو مما لم يقل به أحد ووجه الانحلال ظاهر اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً الظاهر أن هذا من جملة ما حكي بعد قوله سبحانه: إِذْ قالُوا وقد قاله بعض منهم مخاطبا للباقين وكانوا راضين بذلك إلّا من قال: لا تَقْتُلُوا إلخ، ويحتمل أنه قاله كل منهم مخاطبا للبقية، والاستثناء هو الاستثناء، وزعم بعضهم أن القائل رجل غيرهم شاوروه في ذلك وهو خلاف الظاهر ولا ثبت له، والظاهر أن القائل خيرهم بين الأمرين القتل والطرح.
وجوز أن يكون المراد قال بعض: اقْتُلُوا يُوسُفَ وبعض اطْرَحُوهُ والطرح رمي الشيء وإلقاؤه، ويقال:
طرحت الشيء أبعدته، ومنه قول عروة بن الورد:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا | من المال يطرح نفسه كل مطرح |
حسنوا القول وقالوا غربة | إنما الغربة للأحرار ذبح |
على الأول وبمرتبة على هذا، وقيل: الوجه بمعنى الذات، وفي الكلام كناية عن التوجه والتقيد بنظم أحوالهم وتدبير أمورهم لأن خلوه لهم يدل على فراغه عن شغل يوسف عليه السلام فيشتغل بهم وينظم أمورهم، ولعل الوجه الأوجه هو الأول وَتَكُونُوا بالجزم عطفا على جواب الأمر، وبالنصب بعد الواو بإضمار أن (١) أي يجتمع لكم خلو وجهه والكون مِنْ بَعْدِهِ أي بعد يوسف على معنى بعد الفراغ من أمره، أو من بعد قتله أو طرحه، فالضمير إما ليوسف أو لأحد المصدرين المفهومين من الفعلين.
قَوْماً صالِحِينَ بالتوبة والتنصل إلى الله تعالى عما جئتم به من الذنب- كما روي عن الكلبي- وإليه ذهب الجمهور، فالمراد بالصلاح الصلاح الديني بينهم وبين الله تعالى، ويحتمل أن المراد ذلك لكن بينهم وبين أبيهم بالعذر