ولم يقل أحد في مثله إنه محتاج إلى التأويل فإن الحزن والغم كالسرور والفرح يكون بالشيء قبل وقوعه كما صرح به ابن هلال في فروقه، ولا حاجة إلى تأويل أو تقدير أو تنزيل للوجود الذهني منزلة الخارجي على القول به، أو الاكتفاء به فإن مثله لا يعرفه أهل العربية، أو اللسان فإن أبيت إلا اللجاج فيه فليكن من التجوز في النسبة إلى ما يستقبل لكونه سببا للحزن الآن اهـ.
وأنت تعلم أنهم صرحوا بأن فعل الفاعل الاصطلاحي إما قائم به أو واقع منه، وقيام الشيء بما لم يوجد بعد ووقوعه منه غير معقول، وحينئذ فالتأويل بما يصح القيام أو الوقوع في فاقد ذلك بحسب الظاهر واجب كذا قيل فتدبر، وقرأ ابن هرمز وابن محيصن- ليحزني- بالإدغام، وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما، وقرأ أيضا تذهبوا به من أذهب رباعيا، ويخرج كما قال أبو حيان على زيادة الباء في بِهِ كما خرج بعضهم تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون: ٢٠] في قراءة من ضم التاء وكسر الباء الموحدة على ذلك أي- ليحزني أن تذهبوه..
وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ هو حيوان معروف وخصه بالذكر لأن الأرض على ما قيل: كانت مذئبة، وقيل:
لأنه سبع ضعيف حقير فنبه عليه السلام بخوفه عليه السلام عليه منه على خوفه عليه مما هو أعظم منه افتراسا من باب أولى، ولحقارة الذئب خصه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه لما بلغ من السن ما بلغ في قوله:

والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا
وقيل: لأنه عليه السلام رأى في المنام أن ذئبا قد شد عليه فكان يحذره، ولعل هذا الحذر لأن الأنبياء عليهم السلام لمناسبتهم التامة بعالم الملكوت تكون واقعاتهم بعينها واقعة، وإلّا فالذئب في النوم يؤول بالعدو.
وادعى بعضهم أنه عليه السلام ورّى بالذئب عن واحد منهم فإنه عليه السلام أجلّ قدرا من أن لا يعلم أن رؤياه تلك من أي أقسام الرؤيا هي، فإن منها ما يحتاج للتعبير ومنها ما لا يحتاج إليه، والكامل يعرف ذلك.
وتعقب بأنه يحتمل أن يكون الأمر قد خفي عليه كما قد خفي مثل ذلك على جده إبراهيم عليه السلام وهو بناء على ما ذكره شيخنا ابن العربي قدس سره من أن رؤياه عليه السلام ذبح ولده من الرؤيا المعبرة بذبح كبش لكنه خفي عليه ذلك ولا يخفى ما فيه، والمذكور في بعض الروايات أنه عليه السلام رأى في منامه كأنه على ذروة جبل وكأن يوسف في بطن الوادي فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله فدرأ عند واحد ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام، وأنا لم أجد لرواية الرؤيا مطلقا سندا يعول عليه ولا حاجة بنا إلى اعتبارها لتكلف الكلام فيها، وبالجملة ما وقع منه عليه السلام من هذا القول كان تلقينا للجواب من غير قصد وهو على أسلوب قوله سبحانه: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار: ٦] والبلاء موكل بالمنطق.
وأخرج أبو الشيخ وغيره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «ولا تلقنوا الناس فيكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا: أكله الذئب»
والحزن ألم القلب لفوت المحبوب والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه، ولذلك أسند الأول الى الذهاب به المفوت لاستمرار مصاحبته ومواصلته ليوسف عليه السلام، والثاني إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب والذئب أصله الهمزة وهي لغة الحجاز، وبها قرأ غير واحد.
وقرأ الكسائي وخلف وأبو جعفر وورش، والأعشى وغيرهم بإبدالها ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهو القياس في مثل ذلك، وذكر بعضهم أنه قد همزه على الأصل ابن كثير ونافع في رواية قالون وأبو عمرو وقفا وابن عامر وحمزة


الصفحة التالية
Icon