هو المصدر المضاف إلى المعرفة كما سمعت فاعتباره محلى بأل الجنسية خلاف الظاهر. وأجاز بعضهم الإخبار عن المعرفة بالنكرة في باب النواسخ خاصة سواء كان هناك نفي أو ما في حكمه أم لا. وابن جني يجوز ذلك إذا كان نفي أو ما في حكمه ولا يجوز إذا لم يكن، وفي الآية قد تقدم الاستفهام الإنكاري على الناسخ وهو في حكم النفي.
واختار غير واحد كون كان تامة. و «عجب» فاعل لها وأَنْ أَوْحَيْنا بتقدير حرف جر متعلق بعجب أي لأن أوحينا أو من أن أوحينا أو هو بدل منه بدل كل من كل أو بدل اشتمال، والإنكار متوجه إلى كونه عجبا لا إلى حدوثه وكون الأبدال في حكم تنحية المبدل منه ليس معناه إهداره بالمرة كما تقرر في موضعه، واقتصر في اللوامح على أن لِلنَّاسِ خبر كان، وتعقب بأن ركيك معنى لأنه يفيد إنكار صدوره من الناس لا مطلقا وفيه ركاكة ظاهرة فافهم، وإنما قيل: للناس لا عند الناس للدلالة على أنهم اتخذوه أعجوبة لهم وفيه من زيادة تقبيح حالهم ما لا يخفى إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أي إلى بشر من جنسهم كقوله تعالى حكاية: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: ٩٤] وقوله سبحانه:
لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [المؤمنون: ٢٤] أو إلى رجل من أفناء رجالهم من حيث المال لا من حيث النسب لأنه صلّى الله عليه وسلم كان من مشاهيرهم فيه وكان منه بمكان لا يدفع فهو كقولهم: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] وفي بعض الآثار أنهم كانوا يقولون: العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب والعجب من فرط جهلهم أما في قولهم الأول فحيث لم يعلموا أن بعث الملك إنما يكون عند كون المبعوث إليهم ملائكة كما قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا [الإسراء: ٩٥] وأما عامة البشر فبمعزل عن استحقاق مفاوضة الملائكة لأنها منوطة بالتناسب فبعث الملك إليهم مزاحم للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع وإنما الذي تقتضيه الحكمة بعث الملك من بينهم إلى الخواص المختصين بالنفوس الزكية المؤيدين بالقوة القدسية المتعلقين بكلا العالمين الروحاني والجسماني ليتأتى لهم الاستفاضة والإفاضة وهذا تابع للاستعداد الأزلي كما لا يخفى، وأما في قولهم الثاني فلأن مناط الاصطفاء للإيحاء إلى شخص هو التقدم في الاتصاف بما علمت والسبق في إحراز الفضائل وحيازة الملكات السنية جبلة واكتسابا، ولا ريب لأحد في أن للنبي صلّى الله عليه وسلم القدح المعلى من ذلك بل له عليه الصلاة والسلام فيه غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية يقول رائيه:
وأحسن منك لم تر قط عيني | ومثلك قط لم تلد النساء |
خلقت مبرأ من كل عيب | كأنك قد خلقت كما تشاء |
وكذا يقول:ولو صورت نفسك لم تزدها | على ما فيك من كرم الطباع |
وأما التقدم في الرياسة الدنيوية والسبق في نيل الحظوظ الدنية فلا دخل له في ذلك قطعا بل له إخلال به غالبا، وما أحسن قول الشافعي رضي الله تعالى عنه من أبيات:
لكن من رزق الحجى حرم الغنى | ضدان مفترقان أيّ تفرق |
وما ذكروه من اليتم أن رجع إلى ما في الآية على التوجيه الثاني فبطلانه بطلانه وإن أرادوا أن أصل اليتم مانع من الإيحاء إليه صلّى الله عليه وسلم فهو أظهر بطلانا وأوضح هذيانا وما ألطف ما قيل إن أنفس الدر يتيمه، وقيل للحسن: لم جعل الله تعالى النبي صلّى الله عليه وسلم يتيما؟ فقال: لئلا يكون لمخلوق عليه منة فإن الله سبحانه هو الذي آواه وأدبه ورباه صلّى الله عليه وسلم هذا والوجه الثاني من الوجهين السابقين في قوله سبحانه: إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ على الوجه الذي ذكرناه هو الذي أراده