والحساب لا يفتقر لكون القمر مقدرا بالمنازل بل طلوعه وغروبه كاف. وذكر بعضهم أن حكمة ذلك صلاح الثمار بوقوع شعاع القمر عليها وقوعا تدريجيا، وكونه أدل على وجوده سبحانه وتعالى إذ كثرة اختلاف أحوال الممكن وزيادة تفاوت أوصافه ادعى إلى احتياجه إلى صانع حكيم واجب بالذات وغير ذلك مما يعرفه الواقفون على الاسرار وأجاب مولانا سري الدين بأن المراد من الحساب حساب الأوقات بمعرفة الماضي من الشهر والباقي منه وكذا من الليل ثم قال: وهذا إذا علقت اللام- بقدره منازل- فإن علقته بجعل الشمس والقمر لم يرد السؤال.
ولعل الأولى على هذا أن يحمل السِّنِينَ على ما يعم السنين الشمسية والقمرية وإن كان المعتبر في التاريخ العربي الإسلامي السنة القمرية، والتفاوت بين السنتين عشرة أيام وإحدى عشرة ساعة ودقيقة واحدة، فإن السنة الأولى عبارة عن ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وخمس ساعات وتسع وأربعين دقيقة على مقتضى الرصد الأبلخاني والسنة الثانية عبارة عن ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وثماني ساعات وثمان وأربعين دقيقة، وينقسم كل منهما إلى بسيطة وكبيسة وبيان ذلك في محله، وتخصيص العدد بالسنين والحساب بالأوقات لما أنه لم يعتبر في السنين المعدودة معنى مغاير لمراتب الأعداد كما اعتبر في الأوقات المحسوبة، وتحقيقه أن الحساب إحصاء ما له كمية انفصالية بتكرير أمثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة منها عدد معين له اسم خاص وحكم مستقل كالسنة المتحصلة من اثني عشر شهرا قد تحصل كل من ذلك من أيام معلومة قد تحصل كل منها من ساعات كذلك والعد مجرد إحصائه بتكرير أمثاله من غير اعتبار أن يتحصل بذلك شيء كذلك، ولما لم يعتبر في السنين المعدودة تحصيل حد معين له اسم خاص غير أسامي مراتب الأعداد وحكم مستقل أضيف إليها العدد، وتحصل مراتب الأعداد من العشرات والمئات والألوف اعتباري لا يجدي في تحصيل المعدود نفعا، وحيث اعتبر في الأوقات المحسوبة تحصيل ما ذكر من المراتب التي لها أسام خاصة وأحكام مستقلة علق بها الحساب المنبئ عن ذلك، والسنة من حيث تحققها في نفسها مما يتعلق به الحساب وإنما الذي يتعلق به العد طائفة منها، وتعلقه في ضمن ذلك بكل واحدة من تلك الطائفة ليس من تلك الحيثية المذكورة- أعني حيثية تحصلها من عدة أشهر- قد تحصل كل واحد منها من عدة أيام قد حصل كل منها من عدة ساعات فإن ذلك وظيفة الحساب بل من حيث إنها فرد من تلك الطائفة المعدودة من غير أن يعتبر معها شيء غير ذلك.
وتقديم العدد على الحساب مع أن الترتيب بين متعلقيهما وجودا وعلما على العكس لأن العلم المتعلق بعدد السنين له علم إجمالي بما تعلق به الحساب تفصيلا وإن لم تتحد الجهة أو لأن العدد من حيث أنه لم يعتبر فيه تحصيل أمر آخر حسبما حقق آنفا نازل من الحساب الذي اعتبر فيه ذلك منزلة البسيط من المركب قاله شيخ الإسلام.
ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ أي ما ذكر من الشمس والقمر على ما حكى سبحانه من الأحوال إِلَّا بِالْحَقِّ استثناء من أعم أحوال الفاعل والمفعول، والباء للملابسة أي ما خلق ذلك ملتبسا بشيء من الأشياء إلا ملتبسا بالحق مراعيا فيه الحكمة والمصلحة أو مراعي فيه ذلك فالمراد بالحق هنا خلاف الباطل والعبث يُفَصِّلُ الْآياتِ أي الآيات التكوينية المذكورة أو الأعم منها ويدخل المذكور دخولا أوليا أو نفصل الآيات التنزيلية المنبهة على ذلك.
وقرىء «نفصل» بنون العظمة وفيه التفات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الحكمة في إبداع الكائنات فيستدلون بذلك على شؤون مبدعها جل وعلا أو يعلمون ما في تضاعيف الآيات المنزلة فيؤمنون بها.
وتخصيص التفصيل بهم على الاحتمالين لأنهم المنتفعون به، والمراد لقوم عقلاء من ذوي العلم فيعم من ذكرنا وغيرهم إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ تنبيه آخر إجمالي على ما ذكر أي في تعاقبهما وكون كل منهما خلفة


الصفحة التالية
Icon