الكفر قد خص بالإجماع فيسري التخصيص إلى ذلك. وتعقب الأخير بأنه في غاية البعد لأنه كما قال الإمام لا يسمى مثله مغفرة وإلا لصح أن يقال: الكفار مغفورون. ورد بأن المغفرة حقيقتها في اللغة الستر وكونهم مغفورين بمعنى مؤخر عذابهم إلى الآخر لا محذور فيه وهو المناسب لاستعجالهم العذاب. وأجيب بأن المراد أن ذلك مخالف للظاهر ولاستعمال القرآن، وذكر العلامة الطيبي أنه يجب تأويل الآية بأحد الأوجه الثلاثة لأنها بظاهرها كالحث على الظلم لأنه سبحانه وعد المغفرة البالغة مع وجود الظلم. وتعقب ذلك في الكشف فقال: فيه نظر لأن الأسلوب يدل على أنه تعالى بليغ المغفرة لهم مع استحقاقهم لخلافها لتلبسهم بما العقاب أولى بهم عنده، والظاهر أن التأويل بناء على مذهب الاعتزال. وأما على مذهب أهل السنة فإنما يؤول لو عم الظلم الكفر، ثم قال: والتأويل بالستر والإمهال أحسن فيكون قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ لتحقيق الوعيد بهم وإن كانوا تحت ستره وإمهاله، ففيه إشارة إلى أن ذلك إمهال لا إهمال. والمراد بالناس إما المعهودون وهم المستعجلون المذكورون قبل أو الجنس دلالة على كثرة الهالكين لتناولهم وأضرابهم وهذا جار على المذهبين، وكذا اختار الطيبي هذا التأويل وقال هو الوجه. والآية على وزان قوله تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان: ٦] على ما ذكره الزمخشري في تفسيره وأنت قد سمعت ما له وما عليه فتدبر. واختار غير واحد إرادة الجنس من الناس وهو مراد أيضا في «شديد العقاب».
والتخصيص بالكفار غير مختار. ويؤيد ذلك ما
أخرجه ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال: لما نزلت هذه الآية وَإِنَّ رَبَّكَ إلخ قال رسول الله ﷺ «لولا عفو الله تعالى وتجاوزه ما هنأ أحد العيش ولولا وعيده وعقابه لا تكل كل أحد»
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم المستعجلون كما روي عن قتادة، وكأنه إنما عبر عنهم بذلك نعيا عليهم كفرهم بآيات الله تعالى التي تخر لها صم الجبال حيث لم يرفعوا لها رأسا ولم يعدوها من جنس الآيات وقالوا:
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام من قلب العصا حية وإحياء الموتى عنادا أو مكابرة وإلا ففي أدنى آية أنزلت عليه عليه الصلاة والسلام غنية وعبرة لأولي الألباب، والتعبير بالمضارع استحضارا للحال الماضية، وجوز أن يكون إشارة إلى أن ذلك القول ديدنهم، وتنوين آيَةٌ للتعظيم وجوز أن يكون للوحدة.
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ مرسل للإنذار من سوء عاقبة ما نهى الله تعالى عنه كدأب من قبلك من الرسل وليس عليك إلا الإتيان بما يعلم به نبوتك وقد حصل بما لا مزيد عليه ولا حاجة إلى إلزامهم وإلقامهم الحجر بالإتيان بما اقترحوه وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أي نبي داع إلى الحق مرشد إليه بآية تليق به وبزمانه، والتنكير للإبهام وروي هذا عن قتادة أيضا.
ومجاهد، وعليه فقوله تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى استئناف جوابا عن سؤال من يقول: لماذا لم يجابوا إلى المقترح فتنقطع حجتهم ولعلهم يهتدون؟ بأن ذلك أمر مدبر ببالغ العلم ونافذ القدرة لا عن الجزاف واتباع آرائهم السخاف، وجوز أن يراد بالهادي هو الله تعالى وروي ذلك عن ابن عباس. والضحاك. وابن جبير، فالتنوين فيه للتفخيم والتعظيم، وتوجيه الآية على ذلك أنهم لما أنكروا الآيات عنادا لكفرهم الناشئ عن التقليد ولم يتدبروا الآيات قيل:
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ لا هاد مثبت للإيمان في صدورهم صاد لهم عن جحودهم فإن ذلك إلى الله تعالى وحده وهو سبحانه القادر عليه، وعلى هذا قيل: يجوز أن يكون قوله سبحانه: اللَّهُ خبر مبتدأ محذوف أي هو الله ويكون ذلك تفسيرا- لهاد- ويَعْلَمُ جملة مقررة لاستقلاله تعالى بالهداية كالعلة لذلك، ويجوز أن يكون جملة اللَّهُ يَعْلَمُ مقررة ويكون من باب إقامة الظاهر، مقام المضمر كأنه هو تعالى يعلم أي ذلك الهادي، والأول بعيد جدا، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، وابن جرير عن عكرمة. وأبي الضحى أن المنذر والهادي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك بأن


الصفحة التالية
Icon