وقرأ أبي وإبراهيم «معاقيب» وهو جمع كما قال الزمخشري جمع معقب أو معقبة بتشديد القاف فيهما والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير، وقال ابن جني: إنه تكسير معقب كمطعم ومطاعيم ومقدم ومقاديم كأنه جمع على معاقبة ثم حذفت الهاء من الجمع وعوضت الياء عنها ولعله الأظهر، وقرئ «معتقبات» من اعتقب مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ متعلق بمحذوف وقع صفة لمعقبات أو حالا من الضمير في الظرف الواقع خبرا له، فالمعنى أن المعقبات محيطة بجميع جوانبه أو هو متعلق بمعقبات ومِنْ لابتداء الغاية، فالمعنى أن المعقبات تحفظ ما قدم وأخر من الأعمال أي تحفظ جميع أعماله، وجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى: يَحْفَظُونَهُ والجملة صفة معقبات أو حال (١)
من الضمير في الظرف.
وقرأ أبي «من بين يديه ورقيب من خلفه» وابن عباس «ورقباء من خلفه» وروى مجاهد عنه أنه قرأ «له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه» مِنْ أَمْرِ اللَّهِ متعلق بما عنده ومِنْ للسببية أي يحفظونه من المضار بسبب أمر الله تعالى لهم بذلك، ويؤيد ذلك أن عليا كرم الله تعالى وجهه، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وزيد بن علي. وجعفر بن محمد. وعكرمة رضي الله تعالى عنهم قرؤوا «بأمر الله» بالباء وهي ظاهرة في السببية.
وجوز أن يتعلق بذلك أيضا لكن على معنى يحفظونه من بأسه تعالى متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له أي يحفظونه باستدعائهم من الله تعالى أن يمهله ويؤخر عقابه ليتوب أو يطلبون من الله تعالى أن يغفر له ولا يعذبه أصلا، وقال في البحر: إن معنى الكلام يصير على هذا الوجه إلى التضمين أي يدعون له بالحفظ من نقمات الله تعالى.
وقال الفراء وجماعة: في الكلام تقديم وتأخير أي له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، وروي هذا عن مجاهد. والنخعي. وابن جريج فيكون مِنْ أَمْرِ اللَّهِ متعلقا بمحذوف وقع صفة لمعقبات أي كائنة من أمره تعالى، وقيل: إنه لا يحتاج في هذا المعنى إلى دعوى تقديم وتأخير بأن يقال: إنه سبحانه وصف المعقبات بثلاث صفات. احداها كونها كائنة من بين يديه ومن خلفه. وثانيتها كونها حافظة له. وثالثتها كونها كائنة من أمره سبحانه، وإن جعل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ متعلقا- بيحفظونه- يكون هناك صفتان الجملة والجار والمجرور، وتقديم الوصف بالجملة على الوصف به سائغ شائع في الفصيح، وكأن الوصف بالجملة الدالة على الديمومة في الحفظ لكونه آكد قدم على الوصف الآخر. وأخرج ابن أبي حاتم. وابن جرير. وأبو الشيخ عن ابن عباس أن المراد بالمعقبات الحرس الذين يتخذهم الأمراء لحفظهم من القتل ونحوه، وروي مثله عن عكرمة، ومعنى يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أنهم يحفظونه من قضاء الله تعالى وقدره ويدفعون عنه ذلك في توهمه لجهله بالله تعالى. ويجوز أن يكون من باب الاستعارة التهكمية على حد ما اشتهر في قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١، التوبة: ٣٤، الانشقاق: ٢٤] فهو مستعار لضده وحقيقته لا يحفظونه. وعلى ذلك يخرج قول بعضهم: إن المراد لا يحفظونه لا على أن هناك نفيا مقدرا كما يتوهم، والأكثرون على أن المراد بالمعقبات الملائكة.
وفي الصحيح «يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر»
وذكروا أن مع العبد غير الملائكة الكرام الكاتبين ملائكة حفظة،
فقد أخرج أبو داود. وابن المنذر وابن أبي الدنيا. وغيرهم عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: لكل عبد حفظة يحفظونه لا يخر عليه حائط أو يتردى في بئر أو تصيبه دابة حتى إذا جاء القدر الذي قدر له خلت عنه الحفظة فأصابه ما شاء الله تعالى أن يصيبه.

(١) وقد تكون مستأنفة اه منه.


الصفحة التالية
Icon