وجوز أن يكون الموصول عبارة عن المشركين وضمير الجمع المرفوع عائد إليه ومفعول يَدْعُونَ محذوف أي الأصنام وحذف لدلالة قوله تعالى: مِنْ دُونِهِ عليه لأن معناه متجاوزين له وتجاوزه إنما هو بعبادتها ويؤيد الوجه الأول قراءة البزدوي عن أبي عمرو «تدعون» بتاء الخطاب، وضمير لا يَسْتَجِيبُونَ عليه عائد على الَّذِينَ وعلى الثاني عائد على مفعول يَدْعُونَ وعلى كل فالمراد لا يستجيب الأصنام لَهُمْ أي للمشركين بِشَيْءٍ من طلباتهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ أي لا يستجيبون شيئا من الاستجابة وطرفا منها إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد يطلبه ويدعوه لِيَبْلُغَ أي الماء بنفسه من غير أن يؤخذ بشيء من إناء ونحوه فاهُ وَما هُوَ أي الماء بِبالِغِهِ أي ببالغ فيه أبدا لكونه جمادا لا يشعر بعطشه وبسط يديه إليه، وجوز أبو حيان كون هُوَ ضمير الفم والهاء في بِبالِغِهِ ضمير الماء أي وما فوه ببالغ الماء لأن كلا منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحال.
وجوز بعضهم كون الأول ضمير باسط والثاني ضمير «الماء» قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون الأول عائدا على «باسط» والثاني عائدا على الفم لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لزم إبراز الفاعل فكان يجب على ذلك أن يقال: وما هو ببالغه الماء، والجمهور على ما سمعت أولا، والغرض- كما قال بعض المدققين- نفي الاستجابة على البت بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مضطر إليه، والحاصل أنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمهم بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلا عن الاستطاعة للاستجابة وبقائهم لذلك في الخسار بحال ماء بمرأى من عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة وإشارة فهو لذلك في زيادة الكباد والبوار، والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل أبرز في معرض التهكم حيث أثبت أنهما استجابتان زيادة في التخسير والتحسير، فالاستثناء مفرغ من أعم عام المصدر كما أشرنا إليه، والظاهر أن الاستجابة هناك مصدر من المبني للفاعل وهو الذي يقتضيه الفعل الظاهر، وجوز أن يكون من المبني للمفعول ويضاف إلى الباسط بناء على استلزام المصدر من المبني للفاعل للمصدر من المبني للمفعول وجودا وعدما فكأنه قيل: لا يستجيبون لهم بشيء فلا يستجاب لهم استجابة كائنة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء كما في قول الفرزدق:

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحت (١) أو مجلف
أي لم يدع فلم يبق إلا مسحت (٢)
أو مجلف. وأبو البقاء يجعل الاستجابة مصدر المبني للمفعول وإضافته إلى كَباسِطِ من باب إضافة المصدر إلى مفعوله كما في قوله تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ [فصلت: ٤٩] والفاعل ضمير «الماء» على الوجه الثاني في الموصول، وقد يراد من بسط الكفين إلى الماء بسطهما أي نشر أصابيعهما ومدها لشربه لا للدعاء، والإشارة إليه كما أشرنا إليه فيما تقدم، وعلى هذا قيل: شبه الداعون لغير الله تعالى بمن أراد أن يغرف الماء بيديه فبسطهما ناشرا أصابعه في أنهما لا يحصلان على طائل، وجعل بعضهم وجه الشبه قلة الجدوى، ولعله أراد عدمها لكنه بالغ بذكر القلة وإرادة العدم دلالة على هضم الحق وإيثار الصدق ولإشمام طرف من التهكم، والتشبيه على هذا من تشبيه المفرد المقيد كقولك لمن لا يحصل من سعيه على شيء: هو كالراقم على الماء فإن المشبه هو الساعي مقيدا بكون سعيه كذلك والمشبه به هو الراقم مقيدا بكونه على الماء كذلك فيما نحن
(١) رواه الجوهري إلا مسحتا أو مجلف بنصب الأول ورفع الثاني ثم قال: يريد الا مسحتا أو هو مجلف فلا تغفل اه منه.
(٢) المسحت المهلك والمجلف بالجيم الذي بقيت منه بقية اه منه.


الصفحة التالية
Icon