لمشيئته جل وعلا، وفيه دليل على أن الرسالة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئته تعالى، ولا يخفى ما في العدول عن ولكن الله من علينا إلى ما في النظم الجليل من التواضع منهم عليهم السلام، وقيل: المعنى ما نحن من الملائكة بل نحن بشر مثلكم في الصورة أو في الدخول تحت الجنس ولكن الله تعالى يمن على من يشاء بالفضائل والكمالات والاستعدادات التي يدور عليها فلك الاصطفاء للرسالة، وفي هذا ذهاب إلى قول بعض حكماء الإسلام: إن الإنسان لو لم يكن في نفسه وبدنه مخصوصا بخواص شريفة علوية قدسية فإنه يمتنع عقلا حصول صفة النبوة فيه، وأجابوا عن عدم ذكر المرسلين عليهم السلام فضائلهم النفسانية والبدنية بأنه من باب التواضع كاختيار العموم، والحق منع الامتناع العقلي وإن كانوا عليهم السلام جميعا لهم مزايا وخواص مرجحة لهم على غيرهم، وإنما قيل لهم كما قيل لاختصاص الكلام بهم حيث أريد إلزامهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوع الشك فيه تعالى فإنه عام وإن اختص بهم ما يعقبه وَما كانَ لَنا أي ما صح وما استقام أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ أي بحجة ما من الحجج فضلا عن السلطان المبين الذي اقترحتموه بشيء من الأشياء وسبب من الأسباب إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فإنه أمر يتعلق بمشيئته تعالى إن شاء كان وإلا فلا وَعَلَى اللَّهِ وحده دون ما عداه مطلقا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم، عمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل من الإيمان وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا، ويدل على ذلك قولهم:
وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ ومحل الخلاف في دخول المتكلم في عموم كلامه حيث لم يعلم دخوله فيه بالطريق الأولى أو تقم عليه قرينة كما هنا. واحتمال أن يراد بالمؤمنين أنفسهم وما لَنا التفات لا التفات إليه، والجمع بين الواو والفاء تقدم الكلام فيه (١) و «ما» استفهامية للسؤال عن السبب والعذر وأن على تقدير حرف الجر أي أي عذر لنا في عدم التوكل عليه تعالى، والإظهار لإظهار النشاط بالتوكل عليه جل وعلا والاستلذاذ باسمه تعالى وتعليل التوكل وَقَدْ هَدانا أي والحال أنه سبحانه قد فعل بنا ما يوجب ذلك ويستدعيه حيث هدانا سُبُلَنا أي أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين.
وقرأ أبو عمرو «سبلنا» بسكون الباء، وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في التوكل قالوا على سبيل التوكيد القسمي مظهرين لكمال العزيمة. وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وما مصدرية أي اذائكم إيانا بالعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه، وجوزوا أن تكون موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أي الذي آذيتموناه، وكان الأصل آذيتمونا به فهل حذف به أو الباء ووصل الفعل إلى الضمير؟ قولان وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أي فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل، والمراد بهم المؤمنون، والتعبير عنهم بذلك لسبق اتصافهم به، وغرض المرسلين من ذلك نحو غرضهم مما تقدم وربما يتجوز في المسند إليه. فالمعنى وعليه سبحانه فليتوكل مريدو التوكل لكن الأول أولى.
وقرأ الحسن بكسر لام الأمر في ليتوكل وهو الأصل هذا، وذكر بعضهم أن من خواص هذه الآية دفع أذى البرغوث.
فقد أخرج المستغفري في الدعوات عن أبي ذر عن النبي ﷺ قال: «إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ الآية وتقول: إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها».
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي الدرداء مرفوعا نحو ذلك إلا أنه ليس فيه «إن كنتم مؤمنين فكفوا

(١) في سورة يوسف عليه السلام اه منه.


الصفحة التالية
Icon