بالاساغة لما أنها المعهودة في الأشربة.
أخرج أحمد. والترمذي. والنسائي. والحاكم وصحح. وغيرهم عن أبي أمامة عن النبي ﷺ أنه قال في الآية: يقرب إليه فيتكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد: ١٥] وقال سبحانه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف: ٢٩]،
ويسيغه بضم الياء لأنه يقال: ساغ الشراب وأساغه غيره وهو الفصيح وإن ورد ثلاثيه متعديا أيضا على ما ذكره أهل اللغة، وجملة لا يَكادُ إلى آخره في موضع الحال من فاعل يتجرعه أو من مفعوله أو منهما جميعا وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ أي أسبابه من الشدائد وأنواع العذاب فالكلام على المجاز أو بتقدير مضاف مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي من كل موضع، والمراد أنه يحيط به من جميع الجهات كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال إبراهيم التيمي: من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره وروي نحو ذلك عن ميمون بن مهران. ومحمد بن كعب، واطلاق المكان على الأعضاء مجاز، والظاهر أن هذا الإتيان في الآخرة.
وقال الأخفش: أراد البلايا التي تصيب الكافر في الدنيا سماها موتا لشدتها. ولا يخفى بعده لأن سياق الكلام في أحوال الكافر في جهنم وما يلقى فيها وَما هُوَ بِمَيِّتٍ أي والحال أنه ليس بميت حقيقة كما هو الظاهر من مجيء أسبابه على أتم وجه فيستريح مما غشيه من أصناف الموبقات وَمِنْ وَرائِهِ أي من بين يدي من حكم عليه بما مر عَذابٌ غَلِيظٌ يستقبل كل وقت عذابا أشد وأشق مما كان قبله، وقيل: في وراء هنا نحو ما قيل فيما تقدم أمامه، وذكر هذه الجملة لدفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتياد كما في عذاب الدنيا، وقيل: ضمير ورائه يعود على العذاب المفهوم من الكلام السابق لا على كل جبار، وروي ذلك عن الكلبي، والمراد بهذا العذاب قيل: الخلود في النار وعليه الطبرسي، وقال الفضيل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد هذا، وجوز في الكشاف أن تكون هذه الآية- أعني قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا إلى هنا- منقطعة عن قصة الرسل عليهم السلام نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنينهم التي أرسلت عليهم بدعوة رسول الله ﷺ فخيب سبحانه رجاءهم ولم يسقهم ووعدهم أن يسنيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار، والواو على هذا قيل: للاستئناف، وقيل: للعطف إما على قوله تعالى:
وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ أو على خبر أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ لقربه لفظا ومعنى، والوجه الأول أوجه لبعد العهد وعدم قرينة تخصيص الاستفتاح بالاستمطار ولأن الكلام على ذلك التقدير يتناول أهل مكة تناولا أوليا فان المقصود من ضرب القصة أن يعتبروا مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي في الغرابة كالمثل كما ذهب إليه سيبويه، وقوله سبحانه: أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة لبيان مثلهم، ورجح ابن عطية كونه مبتدأ وهذه الجملة خبره، وتعقبه الحوفي بأنه لا يجوز لخلو الجملة عما يربطها بالمبتدأ وليست نفسه في المعنى لتستغني عن ذلك لظهور أن ليس المعنى مثلهم هذه الجملة. وأجاب عنه السمين بالتزام أنها نفسه لأن مثل الدين في تأويل ما يقال فيهم ويوصفون به إذا وصفوا فلا حاجة إلى الرابط كما في قولك: صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول، قيل: ولا يخفى حسنه إلا أن المثل عليه بمعنى الصفة، والمراد بالصفة اللفظ الموصوف به كما يقال:
صفة زيد أسمر أي اللفظ الذي يوصف به هو هذا، وهذا وإن كان مجازا على مجاز لكنه يغتفر لأن الأول ملحق بالحقيقة لشهرته وليس من الاكتفاء بعود الضمير على المضاف إليه لأن المضاف ذكر توطئة له فإن ذلك أضعف من بيت العنكبوت كما علمت.
وذهب الكسائي. والفراء إلى أن مَثَلُ مقحم وتقدم ما عليه وله، وقال الحوفي: هو مبتدأ وكَرَمادٍ خبره وأعمالهم بدل من المبتدأ بدل اشتمال كما في قوله:


الصفحة التالية
Icon