تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ والرؤية رؤية القلب، وقوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ساد مسد مفعوليها أي ألم تعلم أنه تعالى خلقهما بِالْحَقِّ أي ملتبسة بالحكمة والوجه الصحيح الذي يحق أن يخلق عليه. وقرأ السلمي «ألم تر» بسكون الراء ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، قال أبو حيان: وتوجيه آخر وهو ان «ترى» حذفت العرب ألفها في قولهم: قام القوم ولو تر ما زيد كما حذفت ياء لا أبالي وقالوا لا أبال فلما دخل الجازم تخيل إن الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في لا أبال لم أبل، تخيلوا اللام آخر الكلمة، والمشهور التوجيه الأول. وقرأ الأخوان «خالق السموات والأرض» بصيغة اسم الفاعل والإضافة وجر «الأرض».
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ يعدمكم أيها الناس كما قاله جماعة أو أيها الكفرة كما روي عن ابن عباس بالمرة وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ أي يخلق بدلكم خلقا مستأنفا لا علاقة بينكم وبينهم، والجمهور على أنه من جنس الآدميين، وذهب آخرون إلى أنه أعم من أن يكون من ذلك الجنس أو من غيره، أورد سبحانه هذه الشرطية بعد أن ذكر خلقه السموات والأرض: إرشادا إلى طريق الاستدلال فإن من قدر على خلق مثل هاتيك الأجرام العظيمة كان على إعدام المخاطبين وخلق آخرين بدلهم أقدر ولذلك قال سبحانه: وَما ذلِكَ أي المذكور من إذهابكم والإتيان بخلق جديد مكانكم عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ بمتعذر أو متعسر فإنه سبحانه وتعالى قادر بذاته لا باستعانة وواسطة على جميع الممكنات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور. وهذه الآية على ما في الكشاف بيان لإبعادهم في الضلال وعظم خطبهم في الكفر بالله تعالى لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة وأنه هو الحقيق بأن يؤمن به ويرجى ثوابه ويخشى عقابه وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً أي يبرزون يوم القيامة، وإيثار الماضي لتحقق الوقوع أو لأنه لا مضي ولا استقبال بالنسبة إليه سبحانه، والمراد ببروزهم لله ظهورهم من قبورهم للرائين لأجل حساب الله تعالى، فاللام للتعليل وفي الكلام حذف مضاف، وجوز أن تكون اللام صلة البروز وليس هناك حذف مضاف، ويراد أنهم ظهورا له عز شأنه عند أنفسهم وعلى زعمهم فإنهم كانوا يظنون عند ارتكابهم الفواحش سرا أنها تخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا له تعالى عند أنفسهم وعلموا أنه لا تخفى عليه جل شأنه خافية، وقال ابن عطية: معنى برزوا صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة فاستعير ذلك لمجمع يوم القيامة، وهذا ميل إلى التعليل والحذف. ونقل الإمام عن الحكماء في تأويل البروز أن النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت مجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها هو البروز لله تعالى وهو كلام تعده العرب من الأحاجي ولذا لم يلتفت إليه المحدثون.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وَبَرَزُوا مبنيا للمفعول وبتشديد الراء، والمراد أظهرهم الله تعالى وأخرجهم من قبورهم لمحاسبته فَقالَ الضُّعَفاءُ جمع ضعيف، والمراد بهم ضعاف الرأي وهم الاتباع، وكتب في المصحف العثماني بواو قبل الهمزة، ووجه ذلك بأنه على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ونظيره علموا بني إسرائيل. ورد ذلك الجعبري قائلا: إنه ليس من لغة العرب ولا حاجة للتوجيه بذلك لأن الرسم سنة متبعة، وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة، ولو وجه بأنه اتباع للفظه في الوقف فإن من القراء من يقف في مثل ذلك بالواو كان حسنا صحيحا كذا ذكر فليراجع. ولعل من أنصف لا يرى أحسن من ترك التوجيه.
لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم إِنَّا كُنَّا في الدنيا لَكُمْ تَبَعاً في تكذيب الرسل عليهم السلام والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كخادم وخدم وغايب وغيب أو اسم جمع لذلك ولم يذكر كونه جمعا في البحر. أو هو مصدر نعت به مبالغة أو بتأويل أو بتقدير مضاف أي تابعين أو ذوي تبع وبه على سائر الاحتمالات يتعلق الجار والمجرور، والتقديم للحصر أي تبعا لكم لا لغيركم.


الصفحة التالية
Icon