وجوز أن يكون المعنى لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان، ونقل ذلك القاضي وزيفه كما ذكره الإمام، وقيل: المعنى لو هدانا الله تعالى إلى الرجعة إلى الدنيا فنصلح ما أفسدناه لهديناكم وهو كما ترى، وقال الجياني. وأبو مسلم: المراد لو هدانا الله تعالى إلى طريق الخلاص من العقاب والوصول إلى النعيم والثواب لهديناكم إلى ذلك، وحاصله لو خلصنا لخلصناكم أيضا لكن لا مطمع فيه لنا ولكم، قال الإمام: والدليل على أن المراد من الهدى هو هذا أنه الذي طلبوه والتمسوه. سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا مما لقينا أَمْ صَبَرْنا على ذلك وسَواءٌ اسم بمعنى الاستواء مرفوع على الخبرية للفعل المذكور بعده لأنه مجرد عن النسبة والزمان فحكمه حكم المصدر. والهمزة وأَمْ قد جردتا عن الاستفهام لمجرد التسوية ولذا صارت الجملة خبرية فكأنه قيل: جزعنا وصبرنا سواء علينا أي سيان، وإنما أفرد الخبر لأنه مصدر في الأصل، وقال الرضي في مثله: إن سَواءٌ خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ثم بين الأمران بقولهم: أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا وما قيل: من أن سَواءٌ خبر مبتدأ محذوف والجملة جزاء للجملة المذكورة بعد لتضمنها معنى الشرط، وإفادة همزة الاستفهام معنى إن لاشتراكهما في الدلالة على عدم الجزم، والتقدير إن جزعنا أم صبرنا فالأمران سيان فتكلف كما لا يخفى، والجزع حزن يصرف عما يراد فهو حزن شديد. وفي البحر هو عدم احتمال الشدة فهو نقيض الصبر، وإنما أسندوا كلا من الجزع والصبر واستوائهما إلى ضمير المتكلم المنتظم للمخاطبين أيضا مبالغة في النهي عن التوبيخ بإعلامهم أنهم شركاء لهم فيما ابتلوا به وتسلية لهم.
وجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين فهو مردود إلى ما سيق له الكلام وهم الفريقان، ولا نظر إلى القرب كما قيل في قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف: ٥٢] وأيد ذلك بما
أخرجه ابن أبي حاتم. والطبراني.
وابن مردويه عن كعب بن مالك رفعه إلى النبي ﷺ فيما يظن أنه قال: «يقول أهل النار: هلموا فلنصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: هلموا فلنجزع فيبكون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا:
سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا الآية،
وإلى كون هذه المحاورة بين الضعفاء والمستكبرين في النار ذهب بعضهم ميلا لظواهر الاخبار.
واستظهر أبو حيان أنها في موضع العرض وقت البروز بين يدي الله تعالى، وقول الاتباع: فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا جزع منهم، وكذا جواب الرؤساء باعترافهم بالضلال، واحتمال أنه من كلام الأولين فقط خلاف الظاهر جدا، وقوله تعالى: ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ جملة مفسرة لا جمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب أو حال مؤكدة أو بدل منه، والمحيص من حاص حاد وفر، وهو إما اسم مكان كالمبيت والمصيف أو مصدر ميمي كالمغيب والمشيب، والمعنى ليس لنا محل ننجو فيه من عذابه أو لا نجاة لنا من ذلك وَقالَ الشَّيْطانُ الذي أضل كلا الفريقين واستتبعهما عند ما عتباه وقرعاه على نمط ما قاله الاتباع للرؤساء لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ أي أحكم وفرغ منه وهو الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خطيبا في محفل الأشقياء من الثقلين.
أخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال: إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيبا على منبر من نار فقال: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ إلى آخره،
وعن مقاتل أن الكفار يجتمعون عليه في النار باللائمة فيرقى منبرا من نار فيقول ذلك، وفي بعض الآثار ما هو ظاهر في أن هذا في الموقف،
فقد أخرج الطبراني. وابن المبارك في الزهد. وابن جرير.
وابن عساكر لكن بسند ضعيف من حديث عقبة بن عامر يرفعه إلى رسول الله ﷺ «أن الكفار حين يروا شفاعة النبي ﷺ للمؤمنين يأتون إبليس فيقولون له قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم


الصفحة التالية
Icon