واستطيبه الشيخ الطيبي وارتضاه ليس بشيء لمن سلم له ذوقه أَلَمْ تَرَ الخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وقيل: لمن يصلح له والفعل معلق بما بعده من قوله تعالى: كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أي كيف اعتمله ووضعه في موضعه اللائق به كَلِمَةً طَيِّبَةً نصب على البدلية من مَثَلًا وضَرَبَ متعدية إلى مفعول واحد كما ذهب إلى ذلك الحوفي.
والمهدوي. وأبو البقاء، وهو على ما قيل: بدل اشتمال ولو جعل بدل كل من كل لم يبعد. واعترض عليه بأنه لا معنى لقولك ضرب الله كلمة طيبة إلا بضم مَثَلًا إليه فمثلا هو المقصود بالنسبة فكيف يبدل منه غيره، ولا يخفى أن هذا بناء على ظاهر قول النحاة: إن المبدل في نية الطرح وهو غير مسلم، وقوله سبحانه: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ صفة كَلِمَةً أو خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة، وجوز أن يكون كلمة منصوبا بمضمر وضَرَبَ أيضا متعدية لواحد أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة أي حكم بأنها مثلها والجملة تفسير لقوله سبحانه: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كقولك: شرف الأمير زيدا كساه حلة وحمله على فرس. وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه تكلف إضمار لا ضرورة تدعو إليه.
وأجاب عنه السمين بما فيه بحث، وجوز أيضا أن يكون ضرب المذكور متعديا إلى مفعولين إما لكونه بمعنى جعل واتخذ أو لتضمينه معناه وكلمة أول مفعوليه قد أخر عن ثانيهما أعني مَثَلًا لئلا يبعد عن صفته التي هي كَشَجَرَةٍ قيل: ولا يرد على هذا بأن المعنى أنه تعالى ضرب لكلمة طيبة مثلا لا كلمة طيبة مثلا لأن المثل عليه بمعنى الممثل به والتقدير ذات مثل أو لها مثلا. وقرئ «كلمة» بالرفع على الابتداء لكونها نكرة موصوفة والخبر «كشجرة» ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف و «كشجرة» صفة أخرى أَصْلُها ثابِتٌ أي ضارب بعروقه في الأرض. وقرأ أنس بن مالك «كشجرة طيبة ثابت أصلها» وقراءة الجماعة على الأصل وذكروا أنها أقوى معنى.
قال ابن جني: لأنك إذا قلت ثابت أصلها فقد أجريت الصفة على شجرة وليس الثبات لها إنما هو للأصل، والصفة إذا كانت في المعنى لما هو من سبب الموصوف قد تجري عليه لكنها أخص بما هي له لفظا ومعنى فالأحسن تقديم الأصل عناية به، ومن ثم قالوا: زيد ضربته فقدموا المفعول عناية به حيث إن الغرض ليس ذكر الفاعل وإنما هو ذكر المفعول، ثم لم يقنعوا بذلك حيث أزالوه عن لفظ الفضلة وجعلوه رب الجملة لفظا فرفعوه بالابتداء وصار ضربته ذيلا له وفضلة ملحقة به، وكذلك قولك: مررت برجل أبوه قائم أقوى معنى من قولك: مررت برجل قائم أبوه لأن المخبر عنه بالقيام إنما هو الأب لا الرجل مع ما في التقديم هنا من حسن التقابل والتقسيم إلا أن لقراءة أنس وجها حسنا، وهو أن ثابت أصلها صفة الشجرة وأصل الصفة أن تكون اسما مفردا لأن الجملة إذا وقعت صفة حكم على موضعها بإعراب المفرد وذاك لم يبلغ مبلغ الجملة بخلاف «أصلها ثابت» فإنه جملة قطعا، وقال بعضهم: إنها أبلغ ولم يذكر وجه ذلك فزعم من زعم أنه ما أشير إليه من وجه الحسن وهو بمعزل عن الصواب.
وقال ابن تمجيد: هو أنه كوصف الشيء مرتين مرة صورة ومرة معنى مع ما فيه من الإجمال والتفصيل كما في أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] فإنه لما قيل: «كشجرة طيبة ثابت» تبادر الذهن من جعل ثابِتٌ صفة لشجرة صورة أن شيئا من الشجرة متصف بالثبات ثم لما قيل: أَصْلُها علم صريحا أن الثبات صفة أصل الشجرة وقيل: كونها أكثر مبالغة لجعل الشجرة بثبات أصولها ثابتة بجميع أغصانها فتدبر وَفَرْعُها أي أعلاها من قولهم:
فرع الجبل إذا علاه، وسمي الأعلى فرعا لتفرعه على الأصل ولهذا أفرد وإلا فكل شجرة لها فروع وأغصان، ويجوز أن يراد به الفروع لأنه مضاف والإضافة حيث لا عهد ترد للاستغراق أو لأنه مصدر بحسب الأصل وإضافته على ما اشتهر تفيد العموم فكأنه قيل: وفروعها فِي السَّماءِ أي في جهة العلو تُؤْتِي أُكُلَها تعطي ثمرها كُلَّ حِينٍ وقت أقته الله تعالى لإثمارها بِإِذْنِ رَبِّها بإرادة خالقها جل شأنه، والمراد بالكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله على ما


الصفحة التالية
Icon