وأخرج الحاكم وصححه. وابن جرير. والطبراني. وغيرهم من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في هؤلاء المبدلين: هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. وأخرج البخاري في تاريخه. وابن المنذر. وغيرهما عن عمر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك (١).
وجاء في رواية كما في جامع الأصول هم والله كفار قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم، ولعله رضي الله تعالى عنه لا يريد أنها نزلت في جبلة ومن معه لأن قصتهم كانت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وإنما يريد أنها تخص من فعل فعل جبلة إلى يوم القيامة وَأَحَلُّوا أي أنزلوا قَوْمَهُمْ بدعوتهم إياهم لما هم فيه من الضلال، ولم يتعرض لحلولهم لدلالة الإحلال عليه إذ هو فرع الحلول كما قالوا في قوله تعالى في فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود:
٩٨] دارَ الْبَوارِ أي الهلاك من بار يبور بوارا وبورا، قال الشاعر:

فلم أر مثلهم أبطال حرب غداة الحرب إذ خيف البوار
وأصله- كما قال الراغب- فرط الكساد، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر به عن الهلاك جَهَنَّمَ عطف بيان للدار، وفي الإبهام ثم البيان مالا يخفى من التهويل، وأعربه الحوفي وأبو البقاء بدلا منها، وقوله تعالى: يَصْلَوْنَها أي يقاسون حرها حال من الدار أو من جَهَنَّمَ أو من «قومهم» أو استئناف لبيان كيفية الحلول، وجوز أبو البقاء كون جَهَنَّمَ منصوبا على الاشتغال أي يصلون جهنم يصلونها وإليه ذهب ابن عطية، فالمراد بالإحلال حينئذ تعريضهم للهلاك بالقتل والأسر، وأيد بما روى عطاء أن الآية نزلت في قتلى بدر، وبقراءة ابن أبي عبلة جَهَنَّمَ بالرفع على الابتداء، ويحتمل أن يكون جَهَنَّمَ على هذه القراءة خبر مبتدأ محذوف واختاره أبو حيان معللا بأن النصب على الاشتغال مرجوح من حيث إنه لم يتقدم ما يرجحه ولا ما يجعله مساويا، وجمهور القراء على النصب ولم يكونوا ليقرؤوا بغير الراجح أو المساوي، إذ زيد ضربته بالرفع أرجح من زيدا ضربته فلذلك كان ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف في تلك القراءة راجحا، وأنت تعلم أن قوله تعالى: قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ يرجح التفسير السابق وَبِئْسَ الْقَرارُ على حذف المخصوص بالذم أي بئس القرار هي أي جهنم أو بئس القرار قرارهم فيها، وفيه بيان أن حلولهم وصليّهم على وجه الدوام والاستمرار وَجَعَلُوا عطف على أَحَلُّوا أو ما عطف عليه داخل معه في حيز الصلة وحكم التعجيب أي جعلوا في اعتقادهم وحكمهم لِلَّهِ الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء وهو الواحد القهار أَنْداداً أمثالا في التسمية أو في العبادة، وقال الراغب: ند الشيء مشاركه في جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت فكل ند مثل وليس كل مثل ندا، ولعل المعول عليه هنا ما أشرنا إليه.
لِيُضِلُّوا قومهم الذين يشايعونهم حسبما ضلوا عَنْ سَبِيلِهِ القويم الذي هو التوحيد، وقيل: مقتضى ظاهر النظم الكريم أن يذكر كفرانهم نعمة الله تعالى ثم كفرانهم بذاته سبحانه باتخاذ الأنداد ثم إضلالهم لقومهم المؤدي إلى إحلالهم دار البوار، ولعل تغيير الترتيب لتثنية التعجيب وتكريره والإيذان بأن كل واحد من هذه الهنات يقضي منه العجب ولو سيق النظم على نسق الوجود لربما فهم التعجيب من المجموع، وله نظائر في الكتاب الجليل، وقرأ ابن
(١) كأنهما يتأولان ما سيتلى من قوله عز وجل قُلْ تَمَتَّعُوا الآية اه منه.


الصفحة التالية
Icon