ذهب إليه الفلاسفة واحتجوا عليه بأن بعضها فيه فيجب أن يكون كلها كذلك، أما الأول فلأن الثوابت التي تكون قريبة من المنطقة تنكسف بالسيارات فوجب أن تكون الثوابت المنكسفة فوق السيارات الكاسفة، وأما الثاني فلأنها بأسرها متحركة حركة واحدة بطيئة كل مائة سنة أو أقل على الخلاف درجة فلا بد أن تكون مركوزة في كرة واحدة، وهو احتجاج ضعيف لأنه لا يلزم من كون بعض الثوابت فوق السيارات كون كلها هنا لأنه لا يبعد وجود كرة تحت كرة القمر وتكون في البطء مساوية لكرة الثوابت وتكون الكواكب المركوزة فيما يقارب القطبين مركوزة في هذه الكرة السفلية إذ لا يبعد وجود كرتين مختلفتين بالصغر والكبر مع كونهما متشابهتين في الحركة، وعلى هذا لا يمتنع أن تكون هذه النجوم في السماء الدنيا، وقد ذكر الجلال السيوطي وغيره أنه جاء في بعض الآثار أن الكواكب معلقة بسلاسل من نور بأيدي ملائكة في السماء الدنيا يسيرونها حيث شاء الله تعالى وكيف شاء إلا أن في صحة ذلك ما فيه، على أن ما ذكر في السؤال من أن ذلك يستلزم الخرق وهو مما لا يكاد يقال إما أن يكون مبنيا على القول بامتناع الخرق والالتئام على الفلك المحدد وغيره فقد تقرر فساد ذلك وحقق إمكان الخرق والالتئام بما لا مزيد عليه في غير كتاب من كتب الكلام، وإما أن يكون مبنيا على مجرد الاستبعاد فهو مما لا يفيد شيئا لأن أكثر الممكنات مستبعدة وهي واقعة ولا أظنك في مرية من ذلك بل قد يقال: نحن لا نلتزم أن الكوكب نفسه يتبع الشيطان فيحرقه، والشهاب ليس نصا في الكوكب لما علمت ما قيل في معناه وإن قيل: إنه بنفسه ينقض ويرمي الشيطان ثم يعود إلى مكان لظاهر إطلاق الرجوم على النجوم وقولهم رمي بالنجم مثلا.
وكذا لا نلتزم القول بأنه ينفصل عن الكوكب شعلة كالقبس الذي يؤخذ من النار فيرمى بها كما قاله غير واحد لنحتاج في الجواب عن السؤال بما تقدم إذ يجوز أن يقال: إنه يؤثر حين كان بإذن الله تعالى هذه الشعلة المسماة بالشهاب ويحرق بها من شاء الله تعالى من الشياطين، وإطلاق الرجوم على النجوم وقولهم: رمي بالنجم يحتمل أن يكون مبينا على الظاهر للرائي كما في قوله تعالى في الشمس: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف: ٨٦] وقال الإمام:
إن هذه الشهب ليست هي الثوابت المركوزة في الفلك والإظهار نقصان كثير في أعدادها مع أنه لم يوجد نقصان أصلا. وأيضا إن في جعلها رجوما ما يوجب النقصان في زينة السماء بل هي جنس آخر غيرها يحدثها الله تعالى ويجعلها رجوما للشياطين، ولا يأباه قوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك:
٥] حيث أفاد أن تلك المصابيح هي الرجوم بأعيانها لأنا نقول: كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن المصابيح منها باقية على وجه الدهر أمنة من التغير والفساد ومنها ما لا يكون كذلك والشهاب من هذا القسم وحينئذ يزول الاشكال انتهى. والجرح والتعديل بين القولين مفوضان إلى شهاب ذهنك الثقاب، وفي أجوبته السابقة رحمه الله تعالى ما لا يخفى ضعفه، وكذا شاهدة عليه بقلة الاطلاع على الأخبار الصحيح المشهورة، ألا ترى قوله في الجواب عن ثالث الأسئلة التسعة: إن البعد بين السماء والأرض خمسمائة عام وأما ثخن الفلك فإنه لا يكون عظيما فإنه مخالف لما نطقت به الشريعة وهذت به الفلسفة، أما مخالفته للأول فلأنه قد صح أن سمك كل سماء خمسائة عام كما صح أن بين السماء والأرض كذلك، وأما مخلفته للثاني فلأنه لم يقل أحد من الفلاسفة: أن بين السماء والأرض هذه المسافة التي ذكرها، والافلاك عندهم مخالفتة في الثخن، وقد بينوا ثخن كل بالفراسخ حسبما ذكر في كتب الأجرام والابعاد، وذكروا في ثخن المحدد ما يشهد بمزيد عظمة الله جل جلاله لكن لا مستند لهم قطعي في ذلك بل إن قولهم: لا فضل في الفلكيات مع كونه أشبه شيء بالخطابيات يعكر عليه. وقوله في الجواب عن السادس: إنه إنما دام لئلا يقدح انقطاعه في خبر الرسول ﷺ عن بطلان الكهانة فإنه مستلزم للدور إذ الظاهر أنه عليه


الصفحة التالية
Icon