فيها المعادن وكثير من النباتات والحيوانات، والصرفة منها غير ملونة عند بعضهم، ومال ابن سينا إلى أنها ملونة، واحتج عليه بأن الأرض الموجودة عندنا وإن كانت مخلوطة بغيرها ولكنا قد نجد فيها ما يكون الغالب عليه الأرضية فلو كانت الأرض البسيطة شفافة لكان يجب أن نرى في شيء من أجزاء الأرض مما ليس متكونا تكونا معدنيا شيئا فيه اشفاف ولكان حكم الأرض في ذلك حكم الماء والهواء فإنهما وإن امتزجا إلا أنهما ما عدما الاشفاف بالكلية.
واختلف القائلون بالتلون فمنهم من قال: إن لونها هو الغبرة، ومنهم من زعم أنه السواد وزعم أن الغبرة إنما تكون إذا خالطت الأجزاء الأرضية أجزاء هوائية فبسببها ينكسر ويحصل الغبرة، وأما إذا اجتمعت تلك الأجزاء بحيث لا يخالطها كثير هوائية اشتد السواد وذلك مثل الفحم قبل أن يترمد فإن النار لا عمل لها إلا في تفريق المختلفات فهي لما حللت ما في الخشب من الهوائية واجتمعت الأجزاء الأرضية من غير أن يتخللها شيء غريب ظهر لون أجزائها وهو السواد، ثم إذا رمدته اختلطت بتلك الأجزاء أجزاء هوائية فلا جرم ابيضت مرة أخرى. والذي صح في الخبر وقد سبق إطلاق الغبراء على الأرض وهو محتمل لأن تكون سائر طبقاتها كذلك ولأن يكون وجهها الأعلى كذلك، نعم جاء في بعض الآثار أن في أسفل الأرض ترابا أبيض وما ذكر من الطبقات مما لا يصادم خبرا صحيحا في ذلك، وكونها سبع طبقات بين كل طبقة وطبقة كما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وفي كل خلق غير مسلم، وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: ١٢] لا يثبته كما ستعلم إن شاء الله تعالى، والخبر في ذلك غير مسلم الصحة أيضا، ومثل ذلك فيما أرى ما روي عن كعب أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إن الله تعالى جعل مسيرة ما بين المشرق والمغرب خمسمائة سنة فمائة سنة في المشرق لا يسكنها شيء من الحيوان لا جن ولا انس ولا دابة وليس في ذلك شجرة ومائة سنة في المغرب كذلك وثلاثمائة سنة فيما بين المشرق والمغرب يسكنها الحيوان، وكذا ما أخرجه ابن حاتم عن عبد الله بن عمر من أن الدنيا مسيرة خمسمائة عام أربعمائة عام خراب ومائة عمران، والمقرر عند أهل الهندسة والهيئة غير هذا. فقد ذكر القدماء منهم أن محيط دائرة الأرض الموازية لدائرة نصف النهار ثمانية آلاف فرسخ حاصلة من ضرب فراسخ درجة واحدة وهي عندهم اثنان وعشرون فرسخا وتسعا فرسخ في ثلاثمائة وستين محيط الدائرة العظمى على الأرض، والمتأخرون أن ذلك ستة آلاف وثمانمائة فرسخ حاصلة من ضرب فراسخ درجة وهي عندهم تسعة عشر فرسخا إلا تسع فرسخ في المحيط المذكور، وعلى القولين التفاوت بين ما يقوله المهندسون ومن معهم وما نسب لغيرهم ممن تقدم أمر عظيم والحق في ذلك مع المهندسين.
وزعموا أن الموضع الطبيعي للأرض هو الوسط من الفلك وأنها بطبعها تقتضي أن تكون مغمورة بالماء ساكنة في حاق الوسط منه لكن لما حصل في جانب منها تلال وجبال ومواضع عالية وفي جانب آخر ضد ذلك لأسباب ستسمعها بعد إن شاء الله تعالى وكان من طبع الماء أن يسيل من المواضع العالية إلى المواضع العميقة لا جرم انكشف الجانب المشرف من الأرض وسال الماء إلى الجوانب العميقة منها. وللكواكب في زعمهم تأثير في ذلك بحسب المسامتات التي تتبدل عند حركاتها خصوصا الثوابت والأوجات والحضيضات المتغيرة في أمكنتها. وحكم أصحاب الأرصاد أن طول البر المنكشف نصف دور الأرض وعرضه أحد أرباعها إلى ناحية الشمال، وفي تعيين أي الربعين الشماليين منكشف تعذر أو تعسر كما قال صاحب التحفة، وأما ما عدا ذلك فقال الإمام: لم يقم دليل على كونه مغمورا في الماء ولكن الأشبه ذلك إذ الماء أكثر من الأرض أضعافا لأن كل عنصر يجب أن يكون بحيث لو استحال بكليته إلى عنصر آخر كان مثله، والماء يصغر حجمه عند الاستحالة أرضا ومع ذلك لو كان في بعض المواضع من الأرباع الثلاثة عمارة قليلة لا يعتد بها، وأما تحت القطبين فلا يمكن أن يكون عمارة لاشتداد البرد: وإنما حكموا بأن


الصفحة التالية
Icon