وهو الهادي إلى الكمال الممكن في جانبي العلم والعمل وفي التعبير عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالعبد مضافا إلى ضميره تعالى من الإشارة إلى تعظيمه عليه الصلاة والسلام، وكذا تعظيم المنزل عليه ما فيه، وفيه أيضا إشعار بأن شأن الرسول أن يكون عبدا للمرسل لا كما زعمت النصارى في حق عيسى عليه السلام وتأخير المفعول الصريح عن الجار والمجرور مع أن حقه التقديم عليه ليتصل به قوله تعالى:
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أي للكتاب عِوَجاً أي شيئا من العوج باختلال اللفظ من جهة الإعراب ومخالفة الفصاحة وتناقض المعنى وكونه مشتملا على ما ليس بحق أو داعيا لغير الله تعالى والعوج وكذا العوج الانحراف والميل عن الاستقامة إلا أنه قيل هو بكسر العين ما يدرك بفتح العين وبفتح العين ما يدرك بفتح العين (١) فالأول الانحراف عن الاستقامة المعنوية التي تدرك بالبصيرة كعوج الدين والكلام، والثاني الانحراف عن الاستقامة الحسية التي تدرك بالبصر كعوج الحائط. والعود أورد عليه قوله تعالى في شأن الأرض لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه: ١٠٧] فإن الأرض محسوسة واعوجاجها وكذا استقامتها مما يدرك بالبصر فكان ينبغي على ما ذكر فتح العين، وأجيب بأنه لما أريد به هنا ما خفي من الاعوجاج حتى احتاج إثباته إلى المقاييس الهندسية المحتاجة إلى إعمال البصيرة الحق بما هو عقلي صرف فأطلق عليه ذلك لذلك وتعقب بأن لا ترى ظاهر في أن المنفي ما يدرك بالبصر فيحتاج إلى أن يراد به الإدراك، وعن ابن السكيت أن المكسور أعم من المفتوح.
واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما قَيِّماً أي مستقيما كما أخرجه ابن المنذر عن الضحاك وروي أيضا عن ابن عباس، والمراد مما قيل إنه لا خلل في لفظه ولا في معناه، والمراد من هذا أنه معتدل لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بإهمال ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر كما قال سبحانه ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ٣٨] ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، وقيل المراد منه ما أريد مما قبله وذكره للتأكيد.
وقال الفراء: المراد قيما على سائر الكتب السماوية شاهدا بصحتها. وقال أبو مسلم: المراد قيما بمصالح العباد متكفلا بها وببيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاش والمعاد وهو على هذين القولين تأسيس أيضا لا تأكيد فكأنه قيل كتابا صادقا في نفسه مصدقا لغيره أو كتابا خاليا عن النقائص حاليا بالفضائل وقيل المراد على الأخير أنه كامل في نفسه ومكمل لغيره، ونصبه بمضمر أي جعله قيما على أن الجملة مستأنفة أو جعله قيما على أنها معطوفة على ما قبل إلا أنه قيل إن حذف حرف العطف مع المعطوف تكلف وكان حفص يسكت على عِوَجاً سكتة خفيفة ثم يقول قَيِّماً.
واختار غير واحد أنه على الحال من الضمير في لَهُ أي لم يجعل له عوجا حال كونه مستقيما ولا عوج فيه على ما سمعت أولا من معنى المستقيم إذ محصله أنه تعالى صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه مستقيما ولا عوج فيه على ما سمعت أولا من معنى المستقيم إذ محصله أنه تعالى صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه خاليا عن الإفراط والتفريط، وكذا على القولين الأخيرين، نعم قيل: إن جعله حالا من الضمير مع تفسير المستقيم بالخالي عن العوج ركيك.
وتعقبه بعضهم بأنه تندفع الركاكة بالحمل على الحال المؤكدة كما في قوله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ

(١) ما الأولى نافية وما الثانية موصولة اه منه.


الصفحة التالية
Icon