النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا
[يونس: ٢] وهو يفضي إلى خلو النظم الكريم عن الدلالة على حلول البأس الشديد على من عدا هذه الفرقة فتأمل.
ما لَهُمْ بِهِ أي باتخاذه سبحانه وتعالى ولدا مِنْ عِلْمٍ مرفوع المحل على الابتداء أو الفاعلية لاعتماد الظرف، ومن مزيدة لتأكيد النفي والجملة حالية أو مستأنفة لبيان حالهم في مقالهم أي ما لهم بذلك شيء من العلم أصلا لا لإخلالهم بطريق العلم مع تحقق المعلوم أو إمكانه بل لا ستحالته في نفسه ومعها لا يستقيم تعلق العلم، واستظهر كون ضمير بِهِ عائدا على الولد وعدم العلم وكذا خال الجملة على ما سمعت، وزعم المهدوي أن الجملة على هذا صفة لولدا وليس بشيء، وجوز أن يعود على القول المفهوم من قالُوا أي ليس قولهم ذلك ناشئا عن علم وتذكر ونظر فيما يجوز عليه تعالى وما يمتنع، وقال الطبري: هو عائد على الله تعالى على معنى ليس لهم علم بما يجوز عليه تعالى وما يمتنع وَلا لِآبائِهِمْ الذين قالوا مثل ذلك ناسبين التبني إليه عز وجل، والتعرض لنفي العلم عنهم لأنهم قدورة هؤلاء كَبُرَتْ كَلِمَةً أي عظمت مقالتهم هذه في الكفر والافتراء لما فيها من نسبته تعالى إلى ما لا يكاد يليق بكبريائه جل وعلا، وكبر وكذا كل ما كان على وزن فعل موضوعا على الضم كظرف أو محولا إليه من فعل أو فعل ذهب الأخفش والمبرد إلى إلحاقه بباب التعجب فالفاعل هنا ضمير يرجع إلى قوله تعالى: اتَّخَذَ إلخ بتأويل المقالة، وكَلِمَةً نصب على التمييز وكأنه قيل ما أكبرها كلمة وقوله تعالى تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة كَلِمَةً تفيد استعظام اجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإن كثيرا مما يوسوس به الشيطان وتحدث به النفس لا يمكن أن يتفوه به بل يصرف عنه الفكر فكيف بمثل هذا المنكر. وذهب الفارسي وأكثر النحاة إلى إلحاقه بباب نعم وبئس فيثبت له جميع أحكامه ككون فاعله معرفا بأل أو مضافا إلى معرف بها أو ضميرا مفسرا بالتمييز، ومن هنا جوز أن يكون الفاعل هنا ضمير كَلِمَةً وهي أيضا تمييز والجملة صفتها ولا ضير في وصف التمييز في باب نعم وبئس، وجوز أبو حيان وغيره أن تكون صفة لمحذوف هو المخصوص بالذم أي كبرت كلمة كلمة خارجة من أفواههم، وظاهر كلام الأخفش تغاير المذهبين. وفي التسهيل أنه من باب نعم وبئس وفيه معنى التعجب. والمراد به هنا تعظيم الأمر في قلوب السامعين وهذا ظاهر في أنه لا تغاير بينهما وإليه يميل كلام بعض الأئمة. وقيل نصبت على الحال ولا يخفى حاله. وتسمية ذلك كلمة على حد تسمية القصيدة بها. وقرىء «كبرت» بسكون الباء وهي لغة تميم، وجاء في نحو هذا الفعل ضم العين وتسكينها ونقل حركتها إلى الفاء. وقرأ الحسن وابن يعمر وابن محيصن والقواس عن ابن كثير كلمة بالرفع على الفاعلية والنصب أبلغ وأوكد. واستدل النظام على أن الكلام جسم بهذه الآية لوصفه فيها بالخروج الذي هو من خواص الأجسام وأجيب بأن الخارج حقيقة هو الهواء الحامل له وإسناده إلى الكلام الذي هو كيفية مجاز وتعقب بأن النظام القائل بجسمية الكلام يقول هو الهواء المكيف لا الكيفية واستدلاله على ذلك مبني على الأصل هو الحقيقة إلا أن الخلاف لفظي لا ثمرة فيه إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أي ما يقولون في ذلك الشأن إلا قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت إمكان الصدق أصلا والضمير أن لهم ولآبائهم فَلَعَلَّكَ باخِعٌ أي قاتل نَفْسَكَ وفي معناه ما في صحيح البخاري مهلك. والأول مروي عن مجاهد. والسدي وابن جبير وابن عباس وأنشد لابن الأزرق إذ سأله قول لبيد بن ربيعة:

لعلك يوما إن فقدت مزارها على بعده يوما لنفسك باخع
وفي البحر عن الليث بخع الرجل نفسه بخعا وبخوعا قتلها من شدة الوجد وأنشد قول الفرزدق:


الصفحة التالية
Icon