الضمير اعتبارها، وليس الأمر كذلك مع هذا الظاهر وإن كانت أل فيه للعهد فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ أي من عندك رَحْمَةً عظيمة أو نوعا من الرحمة فالتنوين للتعظيم أو للنوع، و «من» للابتداء متعلق بآتنا، ويجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا من رحمة قدم عليها لكونها نكرة ولو تأخر لكان صفة لها، وفسرت الرحمة بالمغفرة والرزق والأمن والأولى تفسيرها بما يتضمن ذلك وغيره، وفي ذكر مِنْ لَدُنْكَ إيماء إلى أن ذلك من باب التفضل لا الوجوب فكأنهم قالوا ربنا تفضل علينا برحمة وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك، وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري «وهيي» بياءين من غير همز يعني أنهم أبدلوا الهمزة الساكنة ياء، وفي كتاب ابن خالويه قرأ الأعشى عن أبي بكر عن عاصم «وهيّ» بلا همز انتهى.
وهو يحتمل أن يكون قد أبدل الهمزة ياء وأن يكون حذفها، والأول إبدال قياسي، والثاني مختلف فيه أينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر والمضارع المجزومين أم لا، وأصل التهيئة إحداث الهيئة وهي الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسه أو معقوله ثم استعمل في إحضار الشيء وتيسيره أي يسر لنا من أمرنا رَشَداً إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب واهتداء إليه، وقرأ أبو رجاء «رشدا» بضم الراء وإسكان الشين والمعنى واحد إلا أن الأوفق بفواصل الآيات قراءة الجمهور، وإلى اتحاد المعنى ذهب الراغب قال: الرشد بفتحتين خلاف الغي ويستعمل استعمال الهداية وكذا الرشد بضم فسكون.
وقال بعضهم: الرشد أي بفتحتين كما في بعض النسخ المضبوطة أخص من الرشد لأن الرشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير اه، وفيه مخالفة لما ذكره ابن عطية فإنه قال: إن هذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم وألفاظه تقتضي ذلك وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه لهذه الآية فإنها كافية.
ويحتمل أن يراد بالرحمة رحمة الآخرة اه، نعم فيما قاله نظر، والأولى جعل الدعاء عاما في أمر الدنيا والآخرة وإن كان تعقيبه بما بعد ظاهرا في كونه خاصا في أمر الأولى واللام ومن متعلقان بهيء فإن اختلف معناهما بأن كانت الأولى للأجل والثانية ابتدائية فلا كلام، وإن كانتا للأجل احتاجت صحة التعلق إلى الجواب المشهور.
وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما وإبراز الرغبة في المؤخر وكذا الكلام في تقديم مِنْ لَدُنْكَ على رحمة على تقدير تعلقه بآتنا، وتقديم المجرور الأول على الثاني للإيذان من أول الأمر بكون المسئول مرغوبا فيه لديهم، وقيل الكلام على التجريد وهو إن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة كأنه بلغ إلى مرتبة من الكمال بحيث يمكن أن يؤخذ منه آخر كرأيت منك أسدا أي اجعل أمرنا كله رشدا. فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع فالمفعول محذوف كما في قولهم: بنى على امرأته والمراد أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات بأن يجعل الضرب على الآذان كناية عن الإنامة الثقيلة وإنما صلح كناية لأن الصوت والتنبيه طريق من طرق إزالة النوم فسد طريقه يدل على استحكامه وأما الضرب على العين وإن كان تعلقه بها أشد فلا يصلح كناية إذ ليس المبصرات من طرق إزالته حتى يكون سد الأبصار كناية ولو صلح كناية فعن ابتداء النوم لا النومة الثقيلة.
واعترض القطب جعله كناية عما ذكر بما لا يخفى رده وخرج الآية على الاستعارة المكنية بأن يقال شبه الإنامة الثقيلة بضرب الحجاب على الآذان ثم ذكر ضربنا وأريد أنمنا وهو وجه فيها، وجوز أن تكون من باب الاستعارة التمثيلية واختاره بعض المحققين.
ومن الناس من حمل الضرب على الآذان على تعطيلها كما في قولهم ضرب الأمير على يد الرعية أي منعهم عن


الصفحة التالية
Icon