إخبار مستأنف وليس على تقدير شيء، وقيل في الكلام حذف والتقدير ولو رأيتهم تحسبهم أَيْقاظاً جمع يقظ بكسر القاف كأنكاد ونكد كما في الكشاف وبضمها كأعضاد وعضد كما في الدر المصون.
وفي القاموس رجل يقظ كندس وكتف فحكى اللغتين ضم العين وكسرها وهو اليقظان ومدار الحسبان انفتاح عيونهم على هيئة الناظر كما قال غير واحد. وقال ابن عطية: يحتمل أن يحسب الرائي ذلك لشدة الحفظ الذي كان عليهم وقلة التغير وذلك لأن الغالب على النيام استرخاء وهيئات يقتضيها النوم فإذا لم تكن لنائم يحسبه الرائي يقظان وإن كان مسدود العينين ولو صح فتح أعينهم بسند يقطع العذر كان أبين في هذا الحسبان.
وقال الزجاج: مداره كثرة تقلبهم، واستدل عليه بذكر ذلك بعد، وفيه أنه لا يلائمه وَهُمْ رُقُودٌ جمع راقد أي نائم، وما قيل إنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود لأن فاعلا لا يجمع على فعول مردود لأنه نص على جمعه كذلك النحاة كما صرح به في المفصل والتسهيل، وهذا تقرير لما لم يذكر فيما سلف اعتمادا على ذكره السابق من الضرب على آذانهم وَنُقَلِّبُهُمْ في رقدتهم كثيرا ذاتَ الْيَمِينِ أي جهة تلي أيمانهم وَذاتَ الشِّمالِ أي جهة تلي شمائلهم كيلا تأكل الأرض ما عليها من أبدانهم كما أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن جبير، واستبعد ذلك وقال الإمام: إنه عجيب فإن الله تعالى الذي قدر على أن يبقيهم أحياء تلك المدة الطويلة هو عز وجل قادر على حفظ أبدانهم أيضا من غير تقليب، وأجيب بأنه اقتضت حكمته تعالى أن يكون حفظ أبدانهم بما جرت به العادة وإن لم نعلم وجه تلك الحكمة، ويجري نحو هذا فيما قيل في التزاور وأخيه، وقيل يمكن أن يكون تقليبهم حفظا لما هو عادتهم في نومهم من التقلب يمينا وشمالا اعتناء بشأنهم.
وقيل يحتمل أن يكون ذلك إظهارا لعظيم قدرته تعالى في شأنهم حيث جمع تعالى شأنه فيهم الإنامة الثقيلة المدلول عليها بقوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ [الكهف: ١١] والتقليب الكثير، ومما جرت به العادة أن النوم الثقيل لا يكون فيه تقلب كثير، ولا يخفى بعده. واختلف في أوقات تقليبهم فأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا يقلبون في كل ستة أشهر مرة، وأخرج غير واحد عن أبي عياض نحوه، وقيل يقلبون في كل سنة مرة، وذلك يوم عاشوراء، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أن التقليب في التسع سنين الضميمة ليس فيما سواها، وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن هذا التقليب في رقدتهم الأولى يعني الثلاثمائة سنة، وكانوا يقلبون في كل عام مرة ولم يكن في مدة الرقدة الثانية يعني التسع.
وتعقب الإمام ذلك بأن هذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ولفظ القرآن لا يدل عليها وما جاء فيها خبر صحيح انتهى. فظاهر الآية يدل على الكثرة لمكان المضارع الدال على الاستمرار التجددي مع ما فيه من التثقيل، والظاهر أن وَنُقَلِّبُهُمْ إخبار مستأنف، وجوز الطيبي بناء على ما سمعت عن الزجاج كون الجملة في موضع الحال وهو كما ترى، وقرىء «ويقلبهم» بالياء آخر الحروف مع التشديد والضمير لله تعالى، وقيل للملك.
وقرأ الحسن فيما حكى الأهوازي في الإقناع «ويقلبهم» بياء مفتوحة وقاف ساكنة ولام مخففة، وقرأ فيما حكى ابن جني «وتقلبهم» على المصدر منصوبا، ووجهه أنه مفعول لفعل محذوف يدل عليه «وتحسبهم» أي وترى أو تشاهد تقلبهم، وروي عنه أيضا أنه قرأ كذلك إلا أنه رفع، وهو على الابتداء كما قال أبو حاتم والخبر ما بعد أو محذوف أي آية عظيمة أو من آيات الله تعالى، وحكى ابن خالويه هذه القراءة عن اليماني وذكر أن عكرمة قرأ «وتقلبهم» بالتاء ثالثة الحروف مضارع قلب مخففا، ووجه بأنه على تقدير وأنت تقلبهم وجعل الجملة حالا من فاعل تَحْسَبُهُمْ وفي إشارة إلى قوة اشتباههم بالإيقاظ بحيث إنهم يحسبون إيقاظا في حال سبر أحوالهم وقلبهم ذات اليمين وذات الشمال


الصفحة التالية
Icon