حاتم عن السدي، وقيل لسيد من سادات نصارى العرب النجرانيين وكان يعقوبيا وكان قد وفد مع جماعة منهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجرى ذكر أصحاب الكهف فذكر من عدتهم ما قصه الله تعالى شأنه، ولعل التعبير بضمير الجمع لموافقة من معه إياه في ذلك، والقول الثاني على ما روي عن السدي أيضا النصارى ولم يقيدهم وقيل العاقب ومن معه من نصارى نجران وكانوا وافدين أيضا وكان نسطوريا (١) والقول الثالث لبعض المسلمين، وكأنه عز اسمه لما حكى الأقوال قبل أن تقال على ذلك لقنهم الحق وأرشدهم إليه بعدم نظم ذلك القول في سلك الرجم بالغيب كما فعل بأخويه وتغيير سبكه بإقحام الواو وتعقيبه بما عقبه به على ما سمعت من كون ذلك أمارة على الحقية، والمراد بالقليل على هذا من وقفه الله تعالى للاسترشاد بهذه الأمارات كابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد مر غير بعيد أنه عد من ذلك وذكر ما ظاهره الاستشهاد بالواو.
وقيل إنهم علموا تلك العدة من وحي غير ما ذكر بأن يكون قد أخبرهم صلّى الله عليه وسلّم بذلك عن إعلام الله تعالى إياه به.
وتعقبه بأنه لو كان كذلك لما خفي على الحبر ولما احتاج إلى الاستشهاد ولكان المسلمون أسوة له في العلم بذلك.
وأجيب بأنه لا مانع من وقوف الحبر على الخبر مع جماعة قليلة من المسلمين، ولا يلزم من إخباره صلّى الله عليه وسلّم بشيء وقوف جميع الصحابة عليه فكم من خبر تضمن حكما شرعيا تفرد بروايته عنه عليه الصلاة والسلام واحد منهم رضي الله تعالى عنهم فما ظنك بما هو من باب القصص التي لم تتضمن ذلك، واستشهاده رضي الله تعالى عنه نصا لا ينافي الوقوف بل قد يجامعه بناء على ما وقفت عليه آنفا فهو ليس نصا في عدم الوقوف.
وقد أورد على القول بأن منشأ العلم التلقن من هذا الوحي لما تضمن من الإمارات أنه يلزم من ذلك كون الصحابة السامعين للآية أسوة لابن عباس في العلم نحو ما ذكره المتعقب بل لأنهم العرب الذين أرضعوا ثدي البلاغة في مهد الفصاحة وأشرقت على آفاق قلوبهم وصفحات أذهانهم من مطالع إيمانهم الاستوائية أنوار النبوة المفاضة من شمس الحضرة الأحدية وقلما تنزل آية ولا تلقي عصاها في رباع أسماعهم لوفور رغبتهم في الاستماع ومزيد حرصه صلّى الله عليه وسلّم على إسماعهم، ومتى فهم الزمخشري واضرابه من هذه الآية ما فهموا فلم لم يفهم أصحابه عليه الصلاة والسلام ذلك وهم هم أيخطر ببال من له أدنى عقل أن الإعجام شعروا وأكثر أولئك العرب لم يشعروا؟ أم كيف يتصور تجلي أسرار بلاغة القرآن لمن لا يعرف إعجازه إلا بعد المشقة وتحجب عمن يعرف ذلك بمجرد السليقة؟ ولا يكاد يدفع هذا الإيراد إلا بالتزام أن السامعين لهذه الآية قليلون لأنها نزلت في مكة وفي المسلمين هناك قلة مع عدم تيسر الاجتماع لهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذا اجتماع بعضهم مع بعض نحو تيسر ذلك في المدينة أو بالتزام القول بأن الملتفتين إلى ما فيها من الشواهد كانوا قليلين وهذا كما ترى.
وقيل إن الضمائر لنصارى نجران تناظروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عدد أصحاب الكهف فقالت الملكانية الجملة الأولى واليعقوبية الجملة الثانية والنسطورية الجملة الثالثة، ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أولى من القول السابق المحكي عن بعضهم.
وقال الماوردي واستظهره أبو حيان: إن الضمائر للمتنازعين في حديثهم قبل ظهورهم عليهم فيكون قد أخبر سبحانه نبيه صلّى الله عليه وسلّم بما كان من اختلاف قومهم في عددهم، ولا يخفى أنه يبعد هذا القول من حكاية تلك الأقوال بصيغة

(١) نسبة إلى نسطور كان زمن الفترة كما في الكامل وليس هو الذي في زمن المأمون كما توهم ليحتاج إلى التكلف في الجواب كما فعل في الكشف اه منه.


الصفحة التالية
Icon