لعمومه من حيث يتعلق بغير المبصرات أيضا، والجار والمجرور متعلق بخبيرا بصيرا على سبيل التنازع.
وقال الحوفي: متعلق بكفى وهو وهم، وفي تذييل ما تقدم بما ذكر إشارة على ما قيل إلى أن البعث والأمر وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب فإن ذلك حاصل قبل ذلك وإنما هو لقطع الأعذار وإلزام الحجة من كل وجه. وفي الكشاف أنه سبحانه نبه بقوله تعالى: وَكَفى بِرَبِّكَ إلخ على أن الذنوب هي الأسباب المهلكة لا غير، وبيانه كما في الكشف أنه جل شأنه لما عقب إهلاكهم بعلمه بالذنوب علما أتم دل على أنه تعالى جازاهم بها وإلا لم ينتظم الكلام، وأما الحصر فلأن غيرها لو كان له مدخل كان الظاهر ذكره في معرض الوعيد ثم لا يكون السبب تاما ويكون الكلام ناقصا عن أداء المقصود فلزم الحصر وهو المطلوب ولا أرى كلامه خاليا عن دسيسة اعتزال تظهر بالتأمل ولعله لذلك لم يتعرض له العلامة البيضاوي مَنْ كانَ يُرِيدُ أي بعلمه كما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك الْعاجِلَةَ فقط من غير أن يريد معها الآخرة كما ينبىء عنه الاستمرار المستفاد من زيادة كانَ هنا مع الاقتصاد على مطلق الإرادة في قسميه وقيل لو لم يقيد صدق على مريد العاجلة والآخرة والقسمة تنافي الشركة، ودلالة الإرادة على ذلك لأنها عقد القلب بالشيء وخلوص همه فيه ليس بذاك، والمراد بالعاجلة الدار الدنيا كما روي عن الضحاك أيضا وبإرادتها إرادة ما فيها من فنون مطالبها كقوله تعالى: وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا [الشورى: ٢٠] وجوز أن يراد الحياة العاجلة كقوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [هود: ١٥] ورجح الأول بأنه أنسب بقوله تعالى: عَجَّلْنا لَهُ فِيها أي في تلك العاجلة فإن تلك الحياة واستمرارها من جملة ما عجل فالأنسب في ذلك كلمة من كما في قوله عز وجل وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها [آل عمران: ١٤٥] ما نَشاءُ أي ما نشاء تعجيله له من نعيمها لا كل ما يريد.
لِمَنْ نُرِيدُ تعجيل ما نشاء له، وقال أبو إسحاق الفزاري: أي لمن نريد هلكته ولا يدل عليه لفظ في الآية، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور السابق أعني له فلا يحتاج إلى رابط لأنه في بدل المفردات أو المجرور بدل من الضمير المجرور بإعادة العامل وتقديره لمن نريد تعجيله له منهم، والضمير راجع إلى من وهي موصولة أو شرطية وعلى التقديرين هي منبئة عن الكثرة فهو بدل بعض من كل، وعن نافع أنه قرأ «ما يشاء» بالياء فقيل الضمير فيه لله تعالى فيتطابق القراءتان، وقيل هو لمن فيكون مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك كنمروذ وفرعون ممن ساعده الله تعالى على ما أراده استدراجا له، واستظهر هذا بأنه يلزم أن يكون على الأول التفات ووقوع الالتفات في جملة واحدة إن لم يكن ممنوعا فغير مستحسن كما فصله في عروس الأفراح، وتقييد المعجل والمعجل له بما ذكر من المشيئة والإرادة لما أن الحكمة التي يدور عليها فلك التكوين لا تقتضي وصول كل طالب إلى مرامه ولا استيفاء كل واصل لما يطلبه بتمامه، وليس المراد بأعمالهم في قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ [هود: ١٥] أعمال كلهم ولا كل أعمالهم، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر، وذكر المشيئة في أحدهما والإرادة في الآخر إن قيل بترادفهما تفنن.
ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ مكان ما عجلنا له جَهَنَّمَ يَصْلاها يقاسي حرها كما قال الخليل أو يدخلها كما قيل، والجملة كما قال أبو البقاء حال من الهاء في لَهُ وقال أبو حيان: إنها حال من جَهَنَّمَ وهي مفعول أول لجعلنا ولَهُ الثاني.
وجوز أن تكون الجملة مستأنفة وقال صاحب الغينان: مفعول جعلنا الثاني محذوف والتقدير مصيرا أو جزاء ولا حاجة إلى ذلك مَذْمُوماً حال من فاعل يصلي وهو من الذم ضد المدح وفعله ذم وذمته ذيما وذأمته ذأما بمعناه


الصفحة التالية
Icon