معكم إنه سميع قريب»
محمول على أن النهي المستفاد التزاما من أمر اربعوا الذي بمعنى ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم مراد به النهي عن المبالغة في رفع الصوت، وبتقسيم الجهر واختلاف أقسامه في الحكم يجمع بين الروايتين المختلفتين عن الإمام أبي حنيفة، وما ذكر في الواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين، وعلى فرض صحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد من الحفاظ أو محمول على الجهر البالغ،
وخبر خير الذكر الخفي وخير الرزق أو العيش ما يكفي
صحيح.
وعزاه الإمام السيوطي إلى الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص، وعزاه أبو الفتح في سلاح المؤمن إلى أبي عوانة في مسنده الصحيح أيضا، وهو محمول على من كان في موضع يخاف فيه الرياء أو الإعجاب أو نحوهما، وقد صح أيضا أنه عليه الصلاة والسّلام جهر بالدعاء وبالمواعظ لكن قال غير واحد من الأجلة: إن إخفاء الدعاء أفضل. وحد الجهر على ما ذكره ابن حجر الهيتمي في المنهج القويم أن يكون بحيث يسمع غيره والاسرار بحيث يسمع نفسه. وعند الحنفية في رواية أدنى الجهر إسماع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف وهو قول الكرخي.
وفي كتاب الإمام محمد إشارة إليه، والأصح كما في المحيط قول الشيخين الهندواني والفضلي وهو الذي عليه الأكثر أن أدنى الجهر إسماع غيره وأدنى المخافتة إسماع نفسه. ومن هنا قال في فتح القدير: إن تصحيح الحروف بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف إذ الحروف كيفية تعرض للصوت فإذا انتفى الصوت المعروض انتفى الحرف العارض وحيث لا حرف فلا كلام بمعنى المتكلم به فلا قراءة بمعنى التكلم الذي هو فعل اللسان فلا مخافتة عند انتفاء الصوت كما لا جهر انتهى محررا، وقد ألف الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة في تحقيق هذه المسألة رسالتين جليلتين سمى أولاهما- نشر الزهر في الذكر بالجهر- وثانيتهما- بإتحاف المنيب الأواه بفضل الجهر بذكر الله- رد فيها على بعض أهل القرن التاسع من علماء الحنفية من أعيان دولة ميرزا ألغ بيك بن شاه دخ الكوركاني حيث أطلق القول بكون الجهر بالذكر بدعة محرمة وألف في ذلك رسالة، ولعله يأتي إن شاء الله تعالى زيادة بسط لتحقيق هذه المسألة والله تعالى الموفق.
وقوله سبحانه اللَّهُ خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف مسوق لبيان أن ما ذكر من صفات الكمال موصوفها ذلك المعبود الحق أي ذلك المنعوت بما ذكر من النعوت الجليلة الله عز وجل، وقوله تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تحقيق للحق وتصريح بما تضمنه ما قبله من اختصاص الألوهية به سبحانه فإن ما أسند إليه عز شأنه من خلق جميع الموجودات والعلو اللائق بشأنه على جميع المخلوقات والرحمانية والمالكية للعلويات والسفليات والعلم الشامل مما يقتضيه اقتضاء بينا، وقوله تبارك اسمه لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى بيان لكون ما ذكر من الخالقية وغيرها أسماءه تعالى وصفاته من غير تعدد في ذاته تعالى وجاء الاسم بمعنى الصفة ومنه قوله تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ [الرعد: ٣٣] والحسنى تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة تجري على جمع التكسير وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة، وقيل: تضمنها الإشارة إلى عدم التعدد حقيقة بناء على عدم زيادة صفاته تعالى على ذاته واتحادها معها وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في غاية الظهور، وجوز أبو حيان كون الاسم الجليل مبتدأ وجملة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبره وجملة لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى خبر بعد خبر، وظاهر صنيعه يقتضي اختياره لأنه المتبادر للذهن، ولا يخفى على المتأمل أولية ما تقدم، وقوله تعالى وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى مسوق لتقرير أمر التوحيد الذي انتهى إليه


الصفحة التالية
Icon