وقال الأشعري: إن الله تعالى أسمع موسى عليه السّلام كلامه النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت ولا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك، وقد حققه بعضهم بأنه عليه السّلام تلقى ذلك الكلام تلقيا روحانيا كما تتلقى الملائكة عليهم السّلام كلامه تعالى لا من جارحة ثم أفاضته الروح بواسطة قوة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقوة تصوره كأنه يسمعه من الخارج وهذا كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم، ووجه وقوف الشيطان المار في الخبر الذي سمعت ما فيه على هذا بأنه يحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يكون بالتفرس من كون هيئته عليه السّلام على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه وهو كما ترى، وقد تقدم لك في المقدمات ما عسى ينفعك مراجعته هنا فراجعه وتأمل، واعلم أن شأن الله تعالى شأنه كله غريب وسبحان الله العزيز الحكيم فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أزلهما من رجليك والنعل معروفة وهي مؤنثة يقال في تصغيرها نعيلة ويقال فيها نعل: بفتح العين أنشد الفراء:

له نعل لا يطبى الكلب ريحها وإن وضعت بين المجالس شمت
وأمر صلّى الله عليه وسلّم بذلك لما أنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ كما روي عن الصادق رضي الله تعالى عنه
وعكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والضحاك والكلبي، وروي كونهما من جلد حمار في حديث غريب.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان على موسى عليه السّلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف أي قلنسوة صغيرة وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار»
، وعن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج أنهما كانتا من جلد بقرة ذكيت ولكن أمر عليه السّلام بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس.
وقال الأصم: لأن الحفوة أدخل في التواضع. وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين، ولا يخفى أن هذا ممنوع عند القائل بأفضلية الصلاة بالنعال كما جاء في بعض الآثار، ولعل الأصم لم يسمع ذلك أو يجيب عنه.
وقال أبو مسلم: لأنه تعالى أمنه من الخوف وأوقفه بالموضع الطاهر وهو عليه السّلام إنما لبسهما اتقاء من الإنجاس وخوفا من الحشرات، وقيل: المعنى فرغ قلبك من الأهل والمال. وقيل: من الدنيا والآخرة.
ووجه ذلك أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به، وغلب على ما ذكر تحقيرا، ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة، ولا يخفى عليك أنه بعيد وإن وجه بما ذكر وهو أليق بباب الإشارة، والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه السّلام من موجبات الأمر ودواعيه، وقوله تعالى إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ تعليل لموجب الخلع المأمور به وبيان لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها. روي أنه عليه السّلام حين أمر خلعهما وألقاهما وراء الوادي طُوىً بضم الطاء غير منون.
وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منونا وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيصن بكسرها منونا وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون وهو علم لذلك الوادي فيكون بدلا أو عطف بيان، ومن نونه فعلى تأويل المكان ومن لم ينونه فعلى تأويل البقعة فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقيل طُوىً المضموم الطاء الغير المنون ممنوع من الصرف للعلمية والعدل كزفر وقثم، وقيل: للعلمية والعجمة وقال قطرب: يقال طوى من الليل أي ساعة أي قدس لك ساعة من الليل وهي ساعة أن نودي فيكون معمولا للمقدس، وفي العجائب للكرماني قيل: هو معرب معناه ليلا وكأنه أراد قول قطرب، وقيل: هو رجل بالعبرانية وكأنه على هذا منادى، وقال الحسن: طوى بكسر الطاء والتنوين مصدر كثنى لفظا ومعنى، وهو عنده معمول للمقدس أيضا أي قدس مرة بعد أخرى، وجوز أن يكون معمولا لنودي أي نودي نداءين، وقال ابن السيد: إنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل


الصفحة التالية
Icon