يأخذها ثم نودي الثالثة إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ [القصص: ٣١] فأخذها، وذكر مكي في تفسيره أنه قيل له في المرة الثالثة: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى، ولا يخفى أن ما ذكر بعيد عن منصب النبوة فلعل الخبر غير صحيح.
والسيرة فعلة من السير تقال للهيئة والحالة الواقعة فيه ثم جردت لمطلق الهيئة والحالة التي يكون عليها الشيء، ومن ذلك استعمالها في المذهب والطريقة في قولهم سيرة السلف، وقول الشاعر:

فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها فأول راض سيرة من يسيرها
واختلف في توجيه نصبها في الآية فقيل: إنها منصوبة بنزع الخافض والأصل إلى سيرتها أو لسيرتها وهو كثير وإن قالوا: إنه ليس بمقيس، وهذا ظاهر قول الحوفي: إنها مفعول ثان لنعيدها على حذف الجار نحو وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف: ١٥٥] وإليه ذهب ابن مالك وارتضاه ابن هشام، وجوز الزمخشري أن يكون أعاد منقولا من عاده بمعنى عاد إليه، ومنه قول زهير
فصرم حبلها إذ صرمته وعادك أن تلاقيها عداء
فيتعدى إلى مفعولين، والظاهر أنه غير التوجيه الأول لاعتبار النقل فيه والخافض يحذف من أعاد من غير نظر إلى ثلاثيه وتعدى عاد بنفسه مما صح به النقل، فقد نقل الطيبي عن الأصمعي أن عادك في البيت متعد بمعنى صرفك، وكذا نقل الفاضل اليمنى. وفي المغرب العود الصيرورة ابتداء وثانيا ويتعدى بنفسه وبإلى وعلى وفي واللام.
وفي مشارق اللغة للقاضي عياض مثله، ونقل
عن الحديث «أعدت فتانا يا معاذ؟»
. وقال أبو البقاء: هي بدل من ضمير المفعول بدل اشتمال، وجوز أن يكون النصب على الظرفية أي سنعيدها في طريقتها الأولى.
وتعقبه أبو حيان قائلا: إن سيرتها وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى إليه الفعل على طريقة الظرفية إلا بوساطة في ولا يجوز الحذف إلا في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب، وحاصله أن شرط الانتصاب على الظرفية هنا وهو الإبهام مفقود، وفي شرح التسهيل عن نحاة المغرب أنهم قسموا المبهم إلى أقسام منها المشتق من الفعل كالمذهب والمصدر الموضوع موضع الظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره فالنصب على الظرفية فيما ذكر غير شاذ ولا ضرورة، وجوز الزمخشري واستحسنه أن يكون سَنُعِيدُها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشأناها أولا، وسِيرَتَهَا منصوبا على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر أي تسير سيرتها الأولى أي سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها وتهش بها على غنمك ولك فيها المآرب التي عرفتها انتهى.
والظاهر أنه جعل الجملة من الفعل المقدر (١) وفاعله حالا، ويجوز أن يكون استئنافا، ولا يخفى عليك أن ما ذكره وإن حسن معنى إلا أنه خلاف المتبادر، هذا والآية ظاهرة في جواز انقلاب الشيء عن حقيقته كانقلاب النحاس إلى الذهب وبه قال جمع، ولا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ذلك وتخصيص الإرادة له، وقيل: لا يجوز لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس مثلا ذهبا على ما هو رأي بعض المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا
(١) قيل مقدرة وفيه نظر اه منه.


الصفحة التالية
Icon