كان الفعل مبنيا للمفعول هنا وكان أصله مسندا للغائب ولا كلام في أمره باللام استصحب ذلك بعد نقله إلى المفعول للاختصار، والظاهر أن العطف على قوله تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي إلا أن فيه عطف الإنشاء على الخبر وفيه كلام مشهور لكن قيل هنا: إنه هون أمره كون الأمر في معنى الخبر.
وقال صاحب اللوامح: إن العطف على قوله تعالى: فَلْيُلْقِهِ فلا عطف فيه للإنشاء على الخبر.
وقرأ شيبة وأبو جعفر في رواية أخرى كذلك إلا أنه سكن اللام وهي لام الأمر أيضا وبقية الكلام نحو ما مر.
ويحتمل أن تكون لام كي سكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام، قال الخفاجي: وهذا حسن جدا.
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ظرف لتصنع كما قال الحوفي وغيره على أن المراد به وقت وقع فيه مشي الأخت وما ترتب عليه من القول والرجع إلى أمها وتربيتها له بالحنو وهو المصداق لقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إذ لا شفقة أعظم من شفقة الأم وصنيعها على موجب مراعاته تعالى. وجوز أن يكون ظرفا لألقيت وإن يكون بدلا من إِذْ أَوْحَيْنا على أن المراد بها وقت متسع فيتحد الظرفان وتصح البدلية ولا يكون من إبدال أحد المتغايرين الذي لا يقع في فصيح الكلام.
ورجح هذا صاحب الكشف فقال: هو الأوفق لمقام الامتنان لما فيه من تعداد المنة على وجه أبلغ ولما في تخصيص الإلقاء أو التربية بزمان مشي الأخت من العدول إلى الظاهر فقبله كان عليه السّلام محبوبا محفوظا، ثم أولى الوجهين جعله ظرفا لِتُصْنَعَ، وأما النصب بإضمار اذكر فضعيف اه. وأنت تعلم أن الظاهر كونه ظرفا لتصنع والتقييد بعلى عيني يسقط التربية قبل في غير حجر الأم عن العين.
واعترض أبو حيان وجه البدلية بأن كلا من الظرفين ضيق ليس بمتسع لتخصيصه بما أضيف إليه وليس ذلك كالسنة في الامتداد وفيه تأمل، واسم أخته عليه السّلام مريم، وقيل: كلثوم وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، وكذا يقال في قوله تعالى: فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ أي يضمه إلى نفسه ويربيه.
فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ الفاء فصيحة أي فقالوا: دلينا على ذلك فجاءت بأمك فرجعناك إليها كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك. وقرىء «تقرّ» بكسر القاف. وقرأ جناح بن حبيش «تقرّ» بالبناء للمفعول وَلا تَحْزَنَ أي لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك وإلا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين فإن التخلية مقدمة على التحلية.
وقيل: الضمير المستتر في تَحْزَنَ لموسى عليه السّلام أي ولا تحزن أنت بفقد إشفاقها، وهذا وإن لم يأبه النظم الكريم إلا أن حزن الطفل غير ظاهر، وما في سورة القصص يقتضي الأول والقرآن يفسر بعضه بعضا.
أخرج جماعة من خبر طويل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن آسية حين أخرجت موسى عليه السّلام من التابوت واستوهبته من فرعون فوهبه لها أرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار لها ظئرا فلم يقبل ثدي واحدة منهن حتى أشفقت أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا يأخذ ثديها فلم يفعل وأصبحت أمه والهة فقالت لأخته: قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا أحيا ابني أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت الذي كان وعدها الله تعالى فبصرت به عن جنب فقالت من الفرح: أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فأخذوها فقالوا: وما يدريك ما نصحهم له هل يعرفونه؟ وشكوا في ذلك فقالت:
نصحهم له وشفقتهم عليه لرغبتهم في رضا الملك والتقرب إليه فتركوها وسألوها الدلالة فانطلقت إلى أمه فأخبرتها


الصفحة التالية
Icon