بالعذاب، ولا يسلم أن ذكر المصدر ينافي التجوز فيجوز أن يقال قتلت زيدا بالعصا قتلا والمراد ضربته ضربا شديدا ولا يصح أن يقال: المصدر لبيان النوع أي تميتهم نوعا من الإماتة لأن الإماتة لا أنواع لها بل هي نوع واحد وهو إزهاق الروح ولهذا قيل:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره | تعددت الأسباب والموت واحد |
وأن إما مفسرة لما في الوحي من معنى القول وإما مصدرية حذف عنها الجار، والتعبير عن بني إسرائيل بعنوان العبودية لله تعالى لإظهار الرحمة والاعتناء بأمرهم والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل ولم يراقب فيهم مولاهم الحقيقي جل جلاله، والظاهر أن الإيحاء بما ذكر وكذا ما بعده كان بمصر أي وبالله تعالى لقد أوحينا إليه عليه السلام أن سر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من ملكة فرعون من مصر ليلا فَاضْرِبْ لَهُمْ بعصاك طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ مفعول به لأضرب على الاتساع وهو مجاز عقلي والأصل اضرب البحر ليصير لهم طريقا يَبَساً أي يابسا وبذلك قرأ أبو حيوة على أنه مصدر جعل وصفا لطريقا مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر وغيره.
وقرأ الحسن «يبسا» بسكون الباء وهو إما مخفف منه بحذف الحركة فيكون مصدرا أيضا أو صفة مشبهة كصعب أو جمع يابس كصحب وصاحب. ووصف الواحد به للمبالغة وذلك أنه جعل الطريق لفرط يبسها كأشياء يابسة كما قيل في قول القطامي:
كأن قتود رحلي حين ضمت | حوالب غرزا ومعي جياعا |
وهذا مخالف لما ذكره الراغب من أن اليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذهبت، والمكان إذا كان فيه ماء فذهب، وروي أن موسى عليه السلام لما ضرب البحر وانفلق حتى صارت فيه طرق بعث الله تعالى ريح الصبا فجففت تلك الطرق حتى يبست. وذهب غير واحد أن الضرب بمعنى الجعل من قولهم: ضرب له في ماله سهما وضرب عليهم الخراج أو بمعنى الاتخاذ فينصب مفعولين أولهما طَرِيقاً وثانيهما لَهُمْ.
واختار أبو حيان بقاءه على المعنى المشهور وهو أوفق بقوله تعالى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: ٦٣]،