فراخه للتربية وأنه أنسب بالمقام، وفي الكشف أن في الكلام استعارة بالكناية ناشئة من جعل الجناح الذل ثم المجموع كما هو مثل في غاية التواضع ولما أثبت لذله جناحا أمره بخفضه تكميلا وما عسى يختلج في بعض الخواطر من أنه لما أثبت لذله جناحا فالأمر برفع ذلك الجناح أبلغ في تقوية الذل من خفضه لأن كمال الطائر عند رفعه فهو ظاهر السقوط إذا جعل المجموع تمثيلا لأن الغرض تصوير الذل كأنه مشاهد محسوس، وأما على الترشيح فهو وهم لأن جعل الجناح المخفوض للذل يدل على التواضع وأما جعل الجناح وحده فليس بشيء ولهذا جعل تمثيلا فيما سلف.
وقرأ سعيد بن جبير «من الذل» بكسر الذال وهو الانقياد وأصله في الدواب والنعت فالمذلول وأما الذل بالضم فأصله في الإنسان وهو ضد العز والنعت منه ذليل مِنَ الرَّحْمَةِ أي من فرط رحمتك عليهما فمن ابتدائية على سبيل التعليل، قال في الكشف: ولا يحتمل البيان حتى يقال لو كان كذا لرجعت الاستعارة إلى التشبيه إذ جناح الذل ليس من الرحمة أبدا بل خفض جناح الذل جاز أن يقال إنه رحمة وهذا بين، واستفادة المبالغة من جعل جنس الرحمة مبدأ للتذلل فإنه لا ينشأ إلا من رحمة تامة، وقيل من كون التعريف للاستغراق وليس بذاك، وإنما احتاجا إلى ذلك لافتقارهما إلى من كان أفقر الخلق إليهما واحتياج المرء إلى من كان محتاجا إليه غاية الضراعة والمسكنة فيحتاج إلى أشد رحمة، ولله تعالى در الخفاجي حيث يقول:
يا من أتى يسأل عن فاقتي | ما حال من يسأل من سائله |
ما ذلة السلطان إلا إذا | أصبح محتاجا إلى عامله |
وجوز أن تكون الكاف للتعليل أي لأجل تربيتهما لي وتعقب بأنه مخالف لمعناها المشهور مع إفادة التشبيه ما أفاده التعليل، وقال الطيبي: إن الكاف لتأكيد الوجود كأنه قيل رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيها كقوله تعالى: مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات: ٢٣] قال في الكشف وهو وجه حسن وأما الحمل عليّ أن ما المصدرية جعلت حينا أي ارحمهما في وقت أحوج ما يكونان إلى الرحمة كوقت رحمتهما علي في حال الصغر وأنا كلحم علي وضم وليس ذلك إلا في القيامة والرحمة هي الجنة والبت بأن هذا هو التحقيق فليت شعري الاستقامة وجهه في العربية ارتضاه أم لطباقه للمقام وفخامة معناه اه، وهو كما أشار إليه ليس بشيء يعول عليه، والظاهر أن الأمر للوجوب فيجب على الولد أن يدعو لوالديه بالرحمة، ومقتضى عدم إفادة الأمر التكرار أنه يكفي في الامتثال مرة