يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ الذي هو الحق سبحانه لا عوج له إذ هو تعالى آخذ بنواصيهم وهو على صراط مستقيم وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ إذ لا فعل لغيره عز وجل فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً أمرا خفيا باعتبار الإضافة إلى المظاهر انتهى.
ولكم لهم مثل هذه التأويلات والله تعالى العاصم يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا قيل: هو من صحح فعله وعقده ولم ينسب لنفسه شيئا ولا رأى لها عملا وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لكمال تقدسه وتنزهه وجلاله سبحانه عز وجل فهيهات أن تحلق بعوضة الفكر في جو سماء الجبروت ومن أين لنحلة النفس الناطقة أن ترعى أزهار رياض بيداء اللاهوت، نعم يتفاوت الخلق في العلم بصفاته عز وجل على قدر تفاوت استعداداتهم وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وقيل: هذا إشارة إلى العلم اللدني، والإشارة في قصة آدم عليه السلام إلى أنه ينبغي للإنسان مزيد التحفظ عن الوقوع في العصيان، ولله تعالى در من قال:
يا ناظرا يرنو بعيني راقد | ومشاهدا للأمر غير مشاهد |
منيت نفسك ضلة وأبتها | طرق الرجاء وهن غير قواصد |
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي | درج الجنان بها وفوز العابد |
ونسيت أن الله أخرج آدما | منها إلى الدنيا بذنب واحد |
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي أي بالتوجه إلى العالم السفلي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً لغلبة شحه وشدة بخله فإن المعرض عن جناب الحق سبحانه انجذبت نفسه إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياه واشتد حرصه وكلبه عليها وشغفه بها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية فيشح بها عن نفسه وغيره وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وتلك المعيشة الضنك.
ولهذا قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه سبحانه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه بخلاف الذاكر المتوجه إليه تعالى فإنه ذو يقين منه عز وجل وتوكل عليه تعالى في سعة من عيشه ورغد ينفق ما يجد ويستغني بربه سبحانه عما يفقد وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي العاقبة التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة لأهل التقوى المتخلين عن الرذائل النفسانية المتحلين بالفضائل الروحانية، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة وصفاء العمر عن المشاغبة ونحمده سبحانه على آلائه ونصلي ونسلم على خير أنبيائه وعلى آله خير آل ما طلع نجم ولمع آل.