الآية فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق إلى قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان».
وقرأ الحسن وفرقة «يصهّر» بفتح الصاد وتشديد الهاء، والظاهر أن قوله تعالى: وَالْجُلُودُ عطف على ما وتأخيره عنه قيل إما لمراعاة الفواصل أو للإشعار بغاية شدة الحرارة بإيهام أن تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أن ملابستها على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر غني عن البيان وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما ولذا قدم الباطن لأنه المقصود الأهم، وقيل التقدير ويحرق الجلود لأن الجلود لا تذاب وإنما تجتمع على النار وتنكمش، وفي البحر أن هذا من باب علفتها تبنا وماء باردا. وقال بعضهم: لا حاجة إلى التزام ذلك فإن أحوال تلك النشأة أمر آخر، وقيل يُصْهَرُ بمعنى ينضج، وأنشد:
تصهره الشمس ولا ينصهر وحينئذ لا كلام في نسبته إلى الجلود، والجملة حال من الْحَمِيمُ أو مستأنفة.
وَلَهُمْ أي للكفرة، وكون الضمير للزبانية بعيد، واللام للاستحقاق أو للفائدة تهكما بهم، وقيل للأجل، والكلام على حذف مضاف أي لتعذيبهم، وقيل بمعنى على كما في قوله تعالى: وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ [غافر: ٥٢] أي وعليهم.
مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به أي يكف بعنف. وفي مجمع البيان هي مدقة الرأس من قمعه قمعا إذا ردعه، وفسرها الضحاك وجماعة بالمطارق، وبعضهم بالسياط.
وفي الحديث «لو وضع مقمع منها في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض»
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أي أشرفوا على الخروج من النار ودنوا منه حسبما يروى أنها تضربهم بلهبها فترفعهم فإذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفا، فالإرادة مجاز عن الإشراف والقرب كما في قوله تعالى: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: ٧٧] وجعل بعضهم ضمير مِنْها للثياب وهو ركيك، وقوله تعالى: مِنْ غَمٍّ بدل اشتمال من ضمير مِنْها بإعادة الجار والرابط محذوف والتنكير للتفخيم، والمراد من غم عظيم من غمومها أو مفعول له للخروج أي كلما أرادوا الخروج منها لأجل غم عظيم يلحقهم من عذابها، والغم أخو الهم وهو معروف، وقال بعضهم: هو هنا مصدر غممت الشيء أي غطيته أي كلما أرادوا أن يخرجوا من تغطية العذاب لهم أو مما يغطيهم من العذاب أُعِيدُوا فِيها أي في قعرها بأن ردوا من أعاليها إلى أسافلها من غير أن يخرجوا منها إذ لا خروج لهم كما هو المشهور من حالهم، واستدل له بقوله تعالى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ [البقرة: ١٦٧، المائدة: ٣٧] وفي اختيار فِيها دون إليها إشعار بذلك، وقيل الإعادة مجاز عن الإبقاء، وقيل التقدير كلما أرادوا أن يخرجوا منها فخرجوا أعيدوا فيها فالإعادة معلقة على الخروج وحذف للإشعار بسرعة تعلق الإرادة بالإعادة ويجوز أن يحصل لهم، والمراد من قوله تعالى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ نفي الاستمرار أي لا يستمرون على الخروج لا استمرار النفي، وكثيرا ما يعدى العود بفي لمجرد الدلالة على التمكن والاستقرار، وقال بعضهم: إن الخروج ليس من النار وإنما هو من الأماكن المعدة لتعذيبهم فيها، والمعنى كلما أراد أحدهم أن يخرج من مكانه المعد له في النار إلى مكان آخر منها فخرج منه أعيد فيه وهو كما ترى، وهذه الإعادة على ما قيل بضرب الزبانية إياهم بالمقامع، وقوله تعالى: وَذُوقُوا على تقدير قول معطوف على أُعِيدُوا أي وقيل لهم ذوقوا عَذابَ الْحَرِيقِ قد مر الكلام فيه، والأمر للاهانة.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ بيان لحسن حال


الصفحة التالية
Icon