وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا بضم الباء والدال وتشديد النون فاحتمل أن يكون اسما مفردا بني على فعل كعتل واحتمل أن يكون التشديد من التضعيف الجائز في الوقف وأجرى الوصل مجرى الوقف، والجمهور على نصب الْبُدْنَ على الاشتغال أي وجعلنا البدن جعلناها، وقرىء بالرفع على الابتداء، وقوله تعالى: لَكُمْ ظرف متعلق بالجعل، ومِنْ شَعائِرِ اللَّهِ في موضع المفعول الثاني له، وقوله تعالى: لَكُمْ فِيها خَيْرٌ أي نفع في الدنيا وأجر في الآخرة كما روي عن ابن عباس، وعن السدي الاقتصار على الأجر جملة مستأنفة مقررة لما قبلها.
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها بأن تقولوا عند ذبحها بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك. وقد أخرج ذلك جماعة عن ابن عباس، وفي البحر بأن يقول عند النحر: الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك.
صَوافَّ أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن فهو جمع صافة ومفعوله مقدر. وقرأ ابن عباس وابن عمر وابن مسعود والباقر ومجاهد وقتادة وعطاء والكلبي والأعمش بخلاف عنه «صوافن» بالنون جمع صافنة وهو إما من صفن الرجل إذا صف قدميه فيكون بمعنى صواف أو من صفن الفرس إذا قام على ثلاث وطرف سنبك الرابعة لأن البدنة عند الذبح تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث، وعقلها عند النحر سنّة، فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رأى رجلا قد أناخ بدنته وهو ينحرها فقال: ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
والأكثرون على عقل اليد اليسرى، فقد أخرج ابن أبي شيبة (١) عن ابن سابط رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كانوا يعقلون يد البدنة اليسرى وينحرونها قائمة على ما بقي من قوائمها. وأخرج عن الحسن قيل له: كيف تنحر البدنة؟ قال: تعقل يدها اليسرى إذا أريد نحرها، وذهب بعض إلى عقل اليمنى فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان ينحرها وهي معقولة يدها اليمنى، وقيل لا فرق بين عقل اليسرى وعقل اليمنى، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضا عن عطاء قال: اعقل أي اليدين شئت.
وأخرج جماعة عن ابن عمر أنه فسر صَوافَّ بقائمات معقولة إحدى أيديهن فلا فرق في المراد بين صواف وصوافن على هذا أصلا، لكن روي عن مجاهد أن الصواف على أربع والصوافن على ثلاث. وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وشقيق وسليمان التيمي والأعرج «صوافي» بالياء جمع صافية أي خوالص لوجه الله عز وجل لا يشرك فيها شيء كما كانت الجاهلية تشرك، ونون الياء عمر وابن عبيد وهو خلاف الظاهر لأن «صوافي» ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، وخرج على وجهين: أحدهما أنه وقف عليه بألف الإطلاق لأنه منصوب ثم نون تنوين الترنم لا تنوين الصرف بدلا من الألف، وثانيهما أنه على لغة من يصرف ما لا يصرف لا سيما الجمع المتناهي ولذا قال بعضهم:

والصرف في الجمع أتى كثيرا حتى ادعى قوم به التخييرا
وقرأ الحسن أيضا «صواف» بالتنوين والتخفيف على لغة من ينصب المنقوص بحركة مقدرة ثم يحذف الياء فأصل صَوافَّ صوافي حذفت الياء لثقل الجمع واكتفي بالكسرة التي قبلها ثم عوض عنها بالتنوين ونحوه.
ولو أن واش باليمامة داره وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا
(١) وكذا أبو اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon