الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ في حيز الجر على أنه صفة للموصول قبل أو بيان له أو بدل منه أو في محل النصب على المدح أو في محل الرفع بإضمار مبتدأ، والجملة مرفوعة على المدح، والمراد الذين أخرجهم المشركون من مكة بِغَيْرِ حَقٍّ متعلق بالإخراج أي أخرجوا بغير ما يوجب إخراجهم.
وجوز أن يكون صفة مصدر محذوف أي أخرجوا إخراجا كائنا بهذه الصفة، واختار الطبرسي كونه في موضع الحال أي كائنين بغير حق مترتب عليهم يوجب إخراجهم، وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ استثناء متصل من حَقٍّ وأن وما بعدها في تأويل مصدر بدل منه لما في غير من معنى النفي، وحاصل المعنى لا موجب لإخراجهم إلا التوحيد وهو إذا أريد بالموجب الموجب النفس الأمري على حد قول النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وجوز أن يكون الابدال من غير وفي أخرجوا معنى النفي أي لم يقروا في ديارهم إلا بأن يقولوا إلخ وهو كما ترى، وجوز أن يكون الاستثناء منقطعا وأوجبه أبو حيان أي ولكن أخرجوا بقولهم ربنا الله، وأوجب نصب ما بعد إلا كما أوجبوه في قولهم: ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر، ورد كونه متصلا وكون ما بعد إلا بدلا من حَقٍّ بما هو أشبه شيء بالمغالطة، ويفهم من كلامه جواز أن تكون إلا بمعنى سوى صفة لحق أي أخرجوا بغير حق سوى التوحيد، وحاصله أخرجوا بكونهم موحدين.
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ تحريض على القتال المأذون فيه بإفادة أنه تعالى أجرى العادة بذلك في الأمم الماضية به الأمر وتقوم الشرائع وتصان المتعبدات من الهدم فكأنه لما قيل أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ إلخ قيل فليقاتل المؤمنون فلولا القتال وتسليط الله تعالى المؤمنين على المشركين في كل عصر وزمان لهدمت متعبداتهم ولذهبوا شذر مذر، وقيل: المعنى لولا دفع الله بعض الناس ببعض بتسليط مؤمني هذه الأمة على كفارها لهدمت المتعبدات المذكورة إلا أنه تعالى سلط المؤمنين على الكافرين فبقيت هذه المتعبدات بعضها للمؤمنين وبعضها لمن في حمايتهم من أهل الذمة وليس بذاك، وقال مجاهد: أي لولا دفع ظلم قوم بشهادة العدول ونحو ذلك لهدمت إلخ.
وقال قوم: أي لولا دفع ظلم الظلمة بعدل الولاة، وقالت فرقة: أي لولا دفع العذاب عن الأشرار بدعاء الأخيار، وقال قطرب: أي لولا الدفع بالقصاص عن النفوس. وقيل بالنبيين عليهم السلام عن المؤمنين والكل مما لا يقتضيه المقام ولا ترتضيه ذوو الافهام. والصوامع جمع صومعة بوزن فعولة وهي بناء مرتفع حديد الأعلى والأصمع من الرجال الحديد القول، وقال الراغب: هي كل بناء متصمع الرأس أي متلاصقه والأصمع اللاصقة إذنه برأسه وهو قريب من قريب، وكانت قبل الإسلام كما قال قتادة مختصة برهبان النصارى وبعباد الصابئة ثم استعملت في مئذنة المسلمين، والمراد بها هنا متعبد الرهبان عند أبي العالية ومتعبد الصابئة عند قتادة ولا يخفى أنه لا ينبغي إرادة ذلك حيث لم تكن الصابئة ذات ملة حقة في وقت من الأوقات، والبيع واحدها بيعة بوزن فعلة وهي مصلى النصارى ولا تختص برهبانهم كالصومعة، قال الراغب: فإن يكن ذلك عربيا في الأصل فوجه التسمية به لما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية، وقيل هي كنيسة اليهود.
وقرأ أهل المدينة ويعقوب «ولولا دفاع» بالألف. وقرأ الحرميان وأيوب وقتادة وطلحة وزائدة عن الأعمش والزعفراني «لهدمت» بالتخفيف، والتضعيف باعتبار كثرة المواضع.


الصفحة التالية
Icon