أبي حاتم وابن مردويه عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من مات مرابطا أجري عليه الرزق وأمن من الفتانين واقرؤوا إن شئتم وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا- إلى قوله تعالى- حَلِيمٌ»
وقد نص سبحانه في آية أخرى على أن الذين يقتلون في سبيل الله تعالى أحيا عند ربهم يرزقون وليس ذلك في تلك الآية إلا في البرزخ وقال آخرون: المراد به ما لا ينقطع أبدا من نعيم الجنة، ورد بأن ذلك لا اختصاص له بمن هاجر في سبيل الله ثم قتل أو مات بل يكون للمؤمنين كلهم.
وتعقب بأن عدم الاختصاص ممنوع فإن تنكير رِزْقاً يجوز أن يكون للتنويع ويختص ذلك النوع بأولئك المهاجرين، وقيل: المراد تشريفهم وتبشيرهم بهذا الوعد الصادر ممن لا يخلق الميعاد المقترن بالتأكيد القسمي ويكفي ذلك في تفضيلهم على سائر المؤمنين كما في المبشرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفيه نظر.
وقال الكلبي: هو الغنيمة، وقال الأصم: هو العلم والفهم كقول شعيب عليه السلام وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً [هود: ٨٨] ويرد عليهما أنه تعالى جعل هذا الرزق جزاء على قتلهم أو موتهم في تضاعيف المهاجرة في سبيل الله تعالى فلا يصح أن يكون في الدنيا، ولعل قائل ذلك يقول: إنه في الآخرة وفيها تتفاوت مراتب العلم أيضا.
وظاهر الآية على ما قيل: استواء من قتل ومن مات مهاجرا في سبيل الله تعالى في الرتبة وبه أخذ بعضهم، وذكر أنه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس: من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه فنزلت الآية مسوية بينهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابي أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخرى متوفى فمال الناس على القتيل في سبيل الله تعالى فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله تعالى فقال: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا الآية.
ويؤيد ذلك بما
روي عن أنس قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: «المقتول في سبيل الله تعالى والمتوفى في سبيل الله تعالى بغير قتل هما في الأجر شريكان»
فإن ظاهر الشركة يشعر بالتسوية، وظاهر القول بالتسوية أن المتوفى مهاجرا في سبيل الله تعالى شهيدا كالقتيل وبه صرح بعضهم، وفي البحر أن التسوية في الوعد بالرزق الحسن لا تدل على تفضيل في المعطي ولا تسوية فإن يكن تفضيل فمن دليل آخر، وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل انتهى، وما تقدم في سبب النزول غير مجمع عليه، فقد روي أن طوائف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا: يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك فنزلت، واستدل بعضهم بهذا أيضا على التسوية، وقال مجاهد: نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون وقاتلوهم، وعلى هذا القول ليس المراد من المهاجرة في سبيله تعالى المهاجرة في الجهاد، وأيا ما كان فهذا ابتداء كلام غير داخل في حيز التفصيل، ويوهم ظاهر كلام بعضهم الدخول وأنه تعالى أفراد المهاجرين بالذكر مع دخولهم دخولا أولياء في الذين آمنوا وعملوا الصالحات تفخيما لشأنهم وهو كما ترى، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فإنه جل وعلا يرزق بغير حساب مع أن ما يرزقه قد لا يقدر عليه أحد غيره سبحانه وأن غيره تعالى إنما يرزق مما رزقه هو جل شأنه.
واستدل بذلك على أنه قد يقال لغيره تعالى رازق والمراد به معطى، والأولى عندي أن لا يطلق رازق على غيره تعالى وأن لا يتجاوز عما ورد.
وأما إسناد الفعل إلى غيره تعالى كرزق الأمير الجندي وأرزق فلانا من كذا فهو أهون من إطلاق رازق ولعله مما


الصفحة التالية
Icon