عن عيسى عليه السلام بابن مريم وعن مريم بأمه للإيذان من أول الأمر بحيثية كونهما آية فإن نسبته عليه السلام إليها مع أن النسب إلى الآباء دالة على أن لا أب له أي جعلنا ابن مريم وحدها من غير أن يكون له أب وأمه التي ولدته خاصة من غير مشاركة الأب آية، وتقديمه عليه السلام لأصالته فيما ذكر من كونه آية كما قيل أن تقديم أمه في قوله تعالى: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ٩١] لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ، ثم اعلم أن الذي أجمع عليه الإسلاميون أنه ليس لمريم ابن سوى عيسى عليه السلام.
وزعم بعض النصارى قاتلهم الله تعالى أنها بعد أن ولدت عيسى تزوجت بيوسف النجار وولدت منه ثلاثة أبناء، والمعتمد عليه عندهم أنها كانت في حال الصغر خطيبة يوسف النجار وعقد عليها ولم يقربها ولما رأى حملها بعيسى عليه السلام وهم بتخليتها فرأى في المنام ملكا أوقفه على حقيقة الحال فلما ولدت بقيت عنده مع عيسى عليه السلام فجعل يربيه ويتعهده مع أولاد له من زوجة غيرها فأما هي فلم يكن يقربها أصلا، والمسلمون لا يسلمون أنها كانت معقودا عليها ليوسف ويسلمون أنها كانت خطيبته وأنه تعهدها وتعهد عيسى عليه السلام ويقولون: كان ذلك لقرابته منها وَآوَيْناهُما أي جعلناهما يأويان إِلى رَبْوَةٍ هي ما ارتفع من الأرض دون الجبل.
واختلف في المراد هنا فأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: إِلى رَبْوَةٍ أنبئنا أنها دمشق، وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن سلام وعن يزيد بن شجرة الصحابي وعن سعيد بن المسيب وعن قتادة عن الحسن أنهم قالوا: الربوة هي دمشق، وفي ذلك حديث مرفوع أخرجه ابن عساكر عن أبي أمامة بسند ضعيف.
وأخرج جماعة عن أبي هريرة أنه قال: هي الرملة من فلسطين، وأخرج ذلك ابن مردويه من حديثه مرفوعا،
وأخرج الطبراني في الأوسط، وجماعة عن مرة البهزي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الربوة الرملة
، وأخرج ابن جرير وغيره عن الضحاك أنه قال: هي بيت المقدس، وأخرج هو وغيره أيضا عن قتادة أنه قال: كنا نحدث أن الربوة بيت المقدس، وذكروا عن كعب أن أرضه كبد الأرض وأقربها إلى السماء بثمانية عشر ميلا ولذا كان المعراج ورفع عيسى عليه السلام منه، وهذا القول أوفق بإطلاق الربوة على ما سمعت من معناها، وأخرج ابن المنذر، وغيره عن وهب وابن جرير وغيره عن ابن زيد الربوة مصر، وروي عن زيد بن أسلم أنه قال: هي الاسكندرية، وذكروا أي قرى مصر كل واحدة منها على ربوة مرتفعة لعموم النيل في زيادته جميع أرضها فلو لم تكن القرى على الربى لغرقت، وذكر أن سبب هذا الإيواء أن ملك ذلك الزمان عزم على قتل عيسى عليه السلام ففرت به أمه إلى أحد هذه الأماكن التي ذكرت كذا في البحر، ورأيت في إنجيل متى أن عيسى عليه السلام لما ولد في بيت لحم في أيام هيرودس الملك وافى جماعة من المجوس من المشرق إلى أورشليم يقولون: أين المولود ملك اليهود فقد رأينا نجمة في المشرق وجئنا لنسجد له فلما سمع هيرودس اضطرب وجمع رؤساء الكهنة وكتبة الشعب فسألهم أين يولد المسيح؟ فقالوا: في بيت لحم فدعا المجوس سرا وتحقق منهم الزمان الذي ظهر لهم فيه النجم وأرسلهم إلى بيت لحم وقال لهم: اجهدوا في البحث عن هذا المولود فإذا وجدتموه فأخبروني لأسجد له معكم فذهبوا فوجوده مع مريم فسجدوا وقربوا القرابين ورأوا في المنام أن لا يرجعوا إلى هيرودس فذهبوا إلى كورتهم ورأى يوسف في المنام ملكا يقول له قم فخذ الطفل وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك فإن هيردوس قد عزم على أن يطلب الطفل ليهلكه فقام وأخذ الطفل وأمه ليلا ومضى إلى مصر وكان هناك وفاة هيرودس فلما توفي رأى يوسف الملك في المنام يقول له: قم فخذ الطفل وأمه واذهب إلى


الصفحة التالية
Icon