عبد الله فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن فرددت إليّ الرسول فيه فقال صلّى الله عليه وسلّم لها: «بذلك أمرت الرسل قبلي أن لا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا»
وكذا بما
أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المسلمين فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ [البقرة: ١٧٢] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك»
وتقديم الأمر بأكل الحلال لأن أكل الحلال معين على العمل الصالح.
وجاء في بعض الأخبار أن الله تعالى لا يقبل عبادة من في جوفه لقمة من حرام، وصح أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به. ولعل تقديم الأمر الأول على تقدير حمل الطيب على ما يستلذ من المباحات لأنه أوفق بقوله تعالى: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ وفي الأمر بعده بالعمل الصالح حث على الشكر.
إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ من الأعمال الظاهرة والباطنة عَلِيمٌ فأجازيكم عليه، وفي البحر أن هذا تحذير للرسل عليهم السلام في الظاهر والمراد أتباعهم وَإِنَّ هذِهِ أي الملة والشريعة، وأشير إليها بهذه للإشارة إلى كمال ظهور أمرها في الصحة والسداد وانتظامها بسبب ذلك في سلك الأمور المشاهدة أُمَّتُكُمْ أي ملتكم وشريعتكم والخطاب للرسل عليهم السلام على نحو ما مر وقيل عام لهم ولغيرهم وروي ذلك عن مجاهد، والجملة على ما قال الخفاجي عطف على الجملة إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فالواو من المحكي، وقيل هي من الحكاية وقد عطفت قولا على قول، والتقدير قلنا يا أيها الرسل كلوا إلخ وقلنا لهم إن هذه أمتكم ولا يخفى بعده.
وقيل: الواو ليست للعطف والجملة بعدها مستأنفة غير معطوفة على ما قبلها وهو كما ترى، وقوله سبحانه أُمَّةً واحِدَةً حال مبنية من الخبر والعامل فيها معنى الإشارة أي أشير إليها في حال كونها شريعة متحدة في الأصول التي لا تتبدل بتبدل الأعصار وقيل هذِهِ إشارة إلى الأمم الماضية للرسل، والمعنى أن هذه جماعتكم جماعة واحدة متفقة على الإيمان والتوحيد في العبادة وَأَنَا رَبُّكُمْ أي من غير أن يكون لي شريك في الربوبية، وهذه الجملة عطف على جملة «إن هذه» إلخ المعطوفة على ما تقدم وهما داخلان في حيز التعليل للعمل الصالح لأن الظاهر أن قوله سبحانه: إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تعليل لذلك، ولعل المراد بالعمل الصالح ما يشمل العقائد الحقة والأعمال الصحيحة، واقتضاء المجازاة والربوبية لذلك ظاهر وأما اقتضاء اتحاد الشريعة في الأصول التي لا تتبدل لذلك فباعتبار أنه دليل حقية العقائد وحقيقتها تقتضي الإتيان بها والإتيان بها يقتضي الإتيان بغيرها من الأعمال الصالحة بل قيل لا يصح الاعتقاد مع ترك العمل، وعلى هذا يكون قوله تعالى: فَاتَّقُونِ كالتصريح بالنتيجة فيكون الكلام نظير قولك: العالم حادث لأنه متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث.
وفي إرشاد العقل السليم أن ضمير الخطاب في قوله تعالى: رَبُّكُمْ وفي قوله سبحانه: فَاتَّقُونِ للرسل والأمم جميعا على أن الأمر في حق الرسل للتهييج والإلهاب وفي حق الأمة للتحذير والإيجاب، والفاء لترتيب الأمر أو وجوب الامتثال به على ما قبله من اختصاص الربوبية به سبحانه واتحاد الأمة فإن كلّا منهما موجب للاتقاء حتما، والمعنى فاتقون في شق العصا والمخالفة بالإخلال بموجب ما ذكر.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو «وأن» بفتح الهمزة وتشديد النون، وخرج على تقدير حرف الجر أي ولأن هذه إلخ، والجار والمجرور متعلق باتقون، قال الخفاجي: والكلام في الفاء الداخلة عليه كالكلام في فاء قوله تعالى: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وهي للسببية وللعطف على ما قبله وهو اعْمَلُوا والمعنى اتقوني لأن العقول متفقة على ربوبيتي والعقائد


الصفحة التالية
Icon