مقدار الحد في الجميع واحدا لكن قوله تعالى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [النساء: ٢٥] الآية أخرجت الإماء فإن الآية نزلت فيهن، وكذا أخرجت العبيد إذ لا فرق بين الذكر والأنثى بتنقيح المناط فيرجع في ذلك إلى دلالة النص بناء على أنه لا يشترط في الدلالة أولوية المسكوت بالحكم من المذكور بل المساواة تكفي فيه وقيل تدخل العبيد بطريق التغليب عكس القاعدة وهي تغليب الذكور.
ولا يشترط الإحصان في الرقيق لما
روى مسلم وأبو داود والنسائي عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن ومن لم يحصن»
وفيه دليل على أن الشرط أعني الإحصان في الآية الدالة على تنصيف الحد لا مفهوم له، ونقل عن ابن عباس وطاوس أنه لا حد على الأمة حتى تحصن بزوج، وفيه اعتبار المفهوم، ثم هذا الإحصان شرط للجلد لأن الرجم لا يتنصف، وللشافعي في تغريب العبد أقوال: يغرب سنة يغرب نصف سنة لا يغرب أصلا والخطاب في قوله تعالى: فَاجْلِدُوا لأئمة المسلمين ونوابهم.
واختلف في إقامة المولى الحد على عبده فعندنا لا يقيمه إلا بإذن الإمام والشافعي ومالك وأحمد يقيمه من غير إذن، وعن مالك إلا في الأمة المزوجة، واستثنى الشافعي من المولى الذمي والمكاتب والمرأة، وكذا اختلف في إقامة الخارجي المتغلب الحد فقيل يقيم وقيل لا، وأدلة الأقوال المذكورة وتحقيق ما هو الحق منها في محله، والظاهر أن إقامة الحد المذكور بعد تحقق الزنا بإحدى الطرق المعلومة، وقال إسحاق:
إذا وجد رجل وامرأة في ثوب واحد يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وروي ذلك عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما
، وقال عطاء والثوري ومالك وأحمد: يؤديان على مذاهبهم في الأدب وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ تلطف ومعاملة برفق وشفقة فِي دِينِ اللَّهِ في طاعته وإقامة حده الذي شرعه عز وجل، والمراد النهي عن التخفيف في الجلد بأن يجلدوهما جلدا غير مؤلم أو بأن يكون أقل من مائة جلدة.
وقال أبو مجلز ومجاهد وعكرمة وعطاء: المراد النهي عن إسقاط الحد بنحو شفاعة كأنه قيل: أقيموا عليهما الحد ولا بد، وروي معنى ذلك عن عمر وابن جبير، وفي هذا دليل على أنه لا يجوز الشفاعة في إسقاط الحد، والظاهر أن المراد عدم جواز ذلك بعد ثبوت الحد عند الحاكم، وأما قبل الوصول إليه والثبوت فإن الشفاعة عند الرافع لمن اتصف بسبب الحد إلى الحاكم ليطلقه قبل الوصول وقبل الثبوت تجوز، ولم يخصوا ذلك بالزنا لما
صح أنه عليه الصلاة والسلام أنكر على حبه أسامة بن زيد حين شفع في فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية السارقة قطيفة وقيل حليا فقال له: «أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟ ثم قام فخطب فقال: أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله تعالى لو أن فاطمة بنت محمد سرقت وحاشاها لقطعت يدها»
وكما تحرم الشفاعة يحرم قبولها فعن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أنه قال: إذا بلغ الحد إلى الإمام فلا عفا الله تعالى عنه إن عفا، وبِهِما قيل متعلق بمحذوف على البيان أي أعني بهما، وقيل بترأفوا محذوفا أي ولا ترأفوا بهما، ويفهم صنيع أبي البقاء اختيار تعلقه بتأخذ والباء للسببية أي ولا تأخذكم بسببهما رأفة ولم يجوز تعلقه برأفة معللا بأن المصدر لا يتقدم معموله عليه، وعندي هو متعلق بالمصدر ويتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره.
وقد حقق ذلك العلامة سعد الملة والدين في أول شرح التلخيص بما لا مزيد عليه، وفِي دِينِ قيل متعلق بتأخذ وعليه أبو البقاء، وقيل متعلق بمحذوف وقع صفة لرأفة. وقرأ عليّ كرم الله تعالى وجهه والسلمي وابن مقسم وداود بن أبي هند عن مجاهد «ولا يأخذكم» بالياء التحتية لأن تأنيث رَأْفَةٌ مجازي وحسن ذلك الفصل وقرأ ابن


الصفحة التالية
Icon