الفعل منزلة عدمه وهو كثير في الكلام، ثم المراد اللياقة وعدم اللياقة من حيث الزنا فيكون فيه من تقبيح الزنا ما فيه.
ولا يشكل صحة نكاح الزاني المسلم الزانية المسلمة وكذا العفيفة المسلمة وعدم صحة نكاحه المشركة المذكورة في الآية إذا فسرت بالوثنية بالإجماع لأن ذلك ليس من اللياقة وعدم اللياقة من حيث الزنا بل من حيثية أخرى يعلمها الشارع كما لا يخفى، وعلى هذا الطرز قوله تعالى: وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ أي الزانية بعد أن رضيت بالزنا فولغ فيها كلب شهوة الزاني لا يليق أن ينكحها من حيث إنها كذلك إلا من هو مثلها وهو الزاني أو من هو أسوأ حالا منها وهو المشرك، وأما المسلم العفيف فإن غيرته تأبى ورود جفرتها.

تجتنب الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب يلغن فيه
ولا يشكل على هذا صحة نكاحه إياها وعدم صحة نكاح المشرك سواء فسر بالوثني أو بالكتابي ليحتاج إلى الجواب وهو ظاهر والإشارة في قوله سبحانه: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يحتمل أن تكون للزنا المفهوم مما تقدم والتحريم عليه على ظاهره وكذا المؤمنين، ولعل هذه الجملة وما قبلها متضمنة لتعليل ما تقدم من الأمر والنهي ولذا لم يعطف قوله سبحانه: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلخ عليه كما عطف قوله عز وجل الآتي: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إلخ، وأمر إشعار ما تقدم بالتحريم سهل، وتخصيص المؤمنين بالتحريم عليهم على رأي من يقول: إن الكفار غير مكلفين بالفروع ظاهر، وأما على رأي من يقول بتكليفهم بها كالأصول وإن لم تصح منهم إلا بعد الإيمان فتخصيصهم بالذكر لشرفهم، ويحتمل أن تكون لنكاح الزانية وعليه فالمراد من التحريم المنع وبالمؤمنين المؤمنون الكاملون، ومعنى منعهم عن نكاح الزواني جعل نفوسهم أبية عن الميل إليه فلا يليق ذلك بهم، ولا يأبى حمل الآية على ما قرر فيها ما
روي في سبب نزولها مما أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي وابن المنذر وغيرهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رجل يقال له مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له وأنه وعد رجلا من أسارى مكة بحمله قال فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق فأبصرت سواد ظل تحت الحائط فلما انتهت إلى غرفتي فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد فقالت: مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة قلت: يا عناق حرم الله تعالى الزنا قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى غار أو كهف فدخلت فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فطل بولهم على رأسي وعماهم الله تعالى عني ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق؟ فأمسك فلم يرد عليّ شيئا حتى نزل الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً الآية فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: يا مرثد الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فلا تنكحها
لأن تفريع النهي فيه عن نكاح تلك البغي مما لا شبهة في صحته على تقدير كون الآية المفرع عليها لتقبيح أمر الزاني والزانية فكأنه قيل: إذا علمت أمر الزانية وأنها بلغت في القبح إلى حيث لا يليق أن ينكحها إلا مثلها أو من هو أسوأ حالا فلا تنكحها.
نعم في هذا الخبر ما هو أوفق بجعل الإشارة فيما مر إلى نكاح الزانية ويعلم منه وجه تقديم الزَّانِي والأخبار عن الزانية بأنه لا ينكحها إلا زان أو مشرك على خلاف ما تقتضيه المقابلة، هذا وللعلماء في هذه الآية الجليلة كلام كثير لا بأس بنقل ما تيسر منه وإبداء بعض ما قيل فيه ثم انظر فيه وفيما قدمناه واختر لنفسك ما يحلو فأقول: نقل عن الضحاك والقفال، وقال النيسابوري: إنه أحسن الوجوه في الآية أن قوله سبحانه: الزَّانِي لا


الصفحة التالية
Icon