وقال الإمامان: لا يحد بناء على أن ليس لها حكم الصحة وهو قول الأئمة الثلاثة، ولا يعلم خلاف بين من يعتبر الحرية في الإحصان في أنه لا حد على من قذف مكاتبا مات وترك وفاء لتمكن الشبهة في شرط الحد وهو الإحصان لاختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في أنه مات حرا أو عبدا وذلك يوجب درء الحد ولأنه يدرأ بالشبهة، لا يحد من قذف أخرس فإن هناك احتمال أن يصدقه لو نطق ولا يعول على إشارته هنا وإن قالوا: إنها تقوم مقام عبارته في بعض الأحكام لقيام الاحتمال فيها، واشترطوا أيضا أن يوجد الإحصان وقت الحد حتى لو ارتد المقذوف سقط الحد ولو أسلم بعد، وكذا لو زنى أو وطئ وطأ حراما أو صار معتوها أو أخرس وبقي ذلك لم يحد كما في كافي الحاكم، واشترطوا أيضا أن لا يموت قبل أن يحد القاذف لأن الحد لا يورث، وأن لا يكون المقذوف ولد القاذف أو ولد ولده فلا يحد من قذف أحدهما إلى غير ذلك مما ستعلم بعضه إن شاء الله تعالى، ولم يصرح أكثر الفقهاء بشروط القاذف، ويفهم من كلامهم أنه يشترط فيه أن يكون- بالغا- فلا يحد الصبي إذا قذف ويعزر- عاقلا- فلا يحد المجنون ولا لسكران إلا إذا سكر بمحرم- ناطقا- فلا يحد الأخرس لعدم التصريح بالزنا، وصرح بهذا ابن الشلبي عن النهاية- طائعا- فلا يحد المكره- قاذفا- في دار العدل. فلا يحد القاذف في دار
الحرب أو البغي، وفي الآية إشارة إلى بعض ذلك، ويحتمل أن يعد من الشروط كونه عالما بالحرمة حقيقة أو حكما بأن يكون ناشئا في دار الإسلام، لكن في كافي الحاكم حربي دخل دار الإسلام بأمان فقذف مسلما يحد في قوله الأخير وهو قول صاحبيه، وظاهره أنه يحد ولو كان قذفه في فور دخوله، ولعل وجهه أن الزنا حرام في كل ملة فيحرم القذف به أيضا فلا يصدق بالجهل، ويشترط أن يكون القذف بصريح الزنا بأي لسان كان كما صرح به جمع من الفقهاء وألحقوا به بعض ألفاظ ثبت الحد بها بالأثر والإجماع فيحد بقوله: زنيت أو زاني بياء ساكنة وكذا يا زانىء بهمزة مضمومة عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد فلا يحد بذلك عنده لأنه حقيقة عنده في الصعود. وتعقب بأن ذلك إنما يفهم منه إذا ذكر مقرونا بمحل الصعود، على أنه ينبغي أن يكون المذهب أنه لو قيل مع ذكر محل الصعود في حالة الغضب والسباب يكون قذفا، فقد جزم في المبسوط بالحد فيما إذا قال: زنأت في الجبل أو على الجبل في حالة الغضب ولو قال لامرأة: يا زاني حد اتفاقا، وعلله في الجوهرة بأن الأصل في الكلام التذكير، ولو قال للرجل: يا زانية لا يحد عند الإمام وأبي يوسف لأنه أحال كلامه فوصف الرجل بصفة المرأة، وقال محمد: يحد لأن الهاء تدخل للمبالغة كما في علامة، وأجيب بأن كونها للمبالغة مجاز بل هي لما عهد لها من التأنيث ولو كانت في ذلك حقيقة فالحد لا يجب للشك، ويحد بقوله: أنت أزنى من فلان أو مني على ما في الظهيرية وهو الظاهر، لكن في الفتح عن المبسوط أنه لا حد في أنت أزنى من فلان أو أزنى الناس، وعلله في الجوهرة بأن معناه أنت أقدر على الزنا، وفي الفتح بأن أفعل في مثله يستعمل للترجيح في العلم فكأنه قال: أنت أعلم بالزنا، ولا يخفى أن قصد ذلك في حالة السباب بعيد، وفي الخانية في أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان الحد، وفي أنت أزنى مني لا حد، ولا يخفى أن التفرقة غير ظاهرة، وقد يقال: إن قوله: أنت أزنى من فلان فيه نسبة فلان إلى الزنا وتشريك المخاطب معه في ذلك بخلاف أنت أزنى مني لأن فيه نسبة نفسه إلى الزنا وذلك غير قذف فلا يكون قذفا للمخاطب لأنه تشريك له فيما ليس بقذف، ويحد بلست لأبيك لما فيه من نسبة الزنا إلى الأم ولما جاء في الأثر عن ابن مسعود لا حد إلا في قذف محصنة أو نفي رجل من أبيه، وقيد بكونه في حالة الغضب إذ هو في حالة الرضا يراد به المعاتبة بنفي مشابهته له، وذكر أن مقتضى القياس أن لا حد به مطلقا لجواز أن ينفى النسب من أبيه من غير أن تكون الأم زانية من كل وجه بأن تكون موطوءة بشبهة ولدت في عدة الواطئ لكن ترك ذلك للأثر، ولا حد بالتعريض كأن يقول ما أنا بزان أو ليست أمي زانية وبه قال الشافعي وسفيان الثوري وابن شبرمة والحسن بن صالح وهو الرواية المشهورة عن أحمد، وقال مالك وهو رواية عن أحمد: يحد


الصفحة التالية
Icon